«يوتيوبرات» السخرية من آلام الناس!

تشرين- هدى قدور:
تنتشر على نحوٍ غريب وغير مسوّغ فيديوهات غير إنسانية وعنصرية تتضمن قدراً كبيراً من التنمّر على الضعفاء والفقراء أو من يعانون من مصائب بشكل ما. فاليوتيوبر غير الأخلاقي محكوم بحصد الإعجابات عن طريق الإثارة، فلا بوصلة وطنية أو إنسانية توجهه، بل من الممكن أن يراهن على التشويق والاختلاف عن السائد، بهدف الحصول على حفنة دولارات من «غوغل»، وتلك هي الغاية التي يعمل لأجلها، ليصل به الأمر إلى التشهير والتسويف والسخرية من موت الناس ولاسيما أثناء الكوارث!.
مقابل تلك الأصوات الشاذة، هناك أصوات إيجابية تحاول أن تؤكد المهمة الإعلامية بصدق والتزام كامل بغض النظر عن المردود المادي المنتظر، ولهذا يمكن الحديث اليوم في زمن الإعلام الإلكتروني عن المتاجرة والسمسرة التي تحكم شريحة كبيرة من العاملين في هذا القطاع، إذ لا وجود لميثاق الشرف الصحفي في منصات التواصل الاجتماعي ولا قواعد مهنية لأن كل مشترك في هذه المواقع تحول إلى صحفي بشكل أو بآخر، وهنا كانت الكارثة الأخلاقية.
الصحافة الجادة والمحترفة مهددة بقلة الموارد، نتيجة عدم مراهنتها على الإثارة في جلب الأخبار، والجميع يعرف أن المنشورات التي تحظى بنسبة كبيرة من المتابعة هي المنشورات السطحية التي تتعلق بالموضة والفضائح وغير ذلك، إلى درجة أن شاعراً كبيراً يمكن ألا يحصل سوى على متابعة قليلة مقابل حصول أي فنانة هابطة على متابعات كبيرة. تلك المسألة يبدو أنها ستبقى من دون حل، لأنها مرتبطة بالوعي الاجتماعي السائد ونسبة انتشار الثقافة وطبيعة اهتمامات الناس وحتى الأوضاع الاقتصادية التي يعيشون فيها. ومثلما يكون هناك الكثير من التجاوزات عند انتشار أي اختراع جديد، ستعاني الصحافة الإلكترونية كثيراً حتى تصل إلى مرحلة تتبلور فيها التجارب، وتتضح القواعد وتصبح المتابعات مسؤولة أكثر وراقية. إنها عملية تراكمية لا يمكن أن تحدث بين ليلة وضحاها، لكن على المؤسسات العالمية الضخمة التي تشرف على مواقع التواصل الاجتماعي ألا تشجع تلك الظواهر عبر دفع المال لقاء المتابعات والمشاهدات الكثيرة، بل يفترض أن تحدث فلترة وتصفية لهذه المنشورات حيث يتم تقييمها عبر مقاييس إضافية حتى تنجو من الاستسهال والسطحية التي تحكمها في هذه المرحلة.
فوضى إلكترونية كبيرة يتوقّع أن تزداد بشكل أكبر خلال السنوات القادمة، وهذا يتطلب ارتفاعاً في مستوى الوعي وطبيعة القوانين الناظمة لهذا النوع من النشر، ولا نقصد بذلك ممارسة الرقابة بالشكل التقليدي، بل وضع النظم والمعايير الأخلاقية من قبل شركات الإنترنت نفسها، حتى يختلف الترويج عن المفهوم الذي يخضع له اليوم. وحتى يحدث ذلك، يبدو أننا سنتحمل الكثير من عمليات النشر غير المسؤولة والمحكومة بالمنفعة المادية فقط.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار