«طاعون» ألبير كامو وتحليل الكوارث الإنسانيّة
تشرين- هدى قدور:
الكوارث تجذّر التعاضد الإنساني، هكذا يعتقد العامة، لكن ألبير كامو في روايته «الطاعون» يرى أنها تكشف ما هو مخفي داخل الشخصية عندما يتعرض المرء لنوبات هلع تضطره لخلع جميع الأقنعة التي لبسها خلال الحياة الطبيعية. سيبدو الدكتور بيرنار ريو صاحب قلب بارد وهو يعالج المصابين بالكوليرا، على عكس «بانيلو» و«تارو» اللذين يهربان إلى خيارات أخرى تتصل بالنظم الأخلاقية أو إلى البراغماتية الواقعية أثناء مواجهة الموت. هكذا تبدو الكوارث صاحبة فضل في إزاحة الأقنعة والأمراض العابرة، بغية العودة للجذور، لكن تلك العودة ستكون محفوفة بالمخاطر خاصة إذا رجع المرء إلى بدائيته الأولى.
«اللهمّ أسألك نفسي» ربما تسوّغ منطق النجاة الفردي عند البعض، فشدة الرعب يمكن أن تلغي أقرب العلاقات الاجتماعية، لكن في المقابل ستهزم تلك الهستيريا أمام شعور الأمومة الذي دفع الأم إلى التضحية بنفسها من أجل حماية أبنائها من انهيار الأبنية، وهي أمثلة ظهرت كثيراً في المنازل السورية التي تهدمت.. لقد نجا الأطفال الصغار، أما الآباء والأمهات فماتوا !. حقيقة مرة، لكنها تأتي ضمن السياق الذي اتبعه ألبير كامو في رواية« الطاعون».
تتالي الكوارث يمكن أن يطلق ميزة السخرية والتندر على أوسع نطاق، حتى إن الناس يتساءلون متى «ستأتي الديناصورات»؟ وهذا نوع من ردات الفعل النفسية التي تخفف لدى العامة شعور الانهيار وتجعلهم أكثر هدوءاً، وهم يستقبلون الأحداث على شكل نكات ومفارقات تثير الضحك. يقول الناس: أخبروا من تحبونهم بكمية الحب في قلوبكم، حتى لا يفوت الوقت، وتصبح المصارحة ضرباً من الخيال. يقول آخرون: لننشغل بحقائب الطوارئ، ولنجهز مشاعرنا مع الأوراق الرسمية، قرب أبواب الشقق حتى نحملها ونمضي عندما يتم اختزال النجاة بشنطة صغيرة تختصر كل تاريخنا الشخصي.
نحتاج محللين نفسيين بالفعل، كأن السوريين يدفعون كفارات البشرية جمعاء، من دون أن يقدر لهم العالم حسن أعمالهم، حتى عندما يرفدونهم بالبطانيات وأكياس السكر والخيم، فالشرخ الذي تحدث عنه ألبير كامو في «الطاعون» سيبدو كبيراً، إلى درجة أن من يسرق ثروات السوريين، سيساعدهم من أموالهم المنهوبة، وسيسجل نقاطاً لمصلحته في المحافل الدولية.. إن لذلك علاقة وطيدة بعلاقة الطاعون الذي أصاب وهران الجزائرية عقب الاحتلال الفرنسي الذي ترك بعضاً منه قبل أن يرحل، وكان ذلك الشيء هو الطاعون!
تحليل الكارثة يحتاج إلى وقت أطول، لكن السوريين لم يُعطوا الوقت الكافي بين كارثة وأخرى. فهل يمكن أن تنتقم البشرية من الطبيعة جمعاء، عبر فئة يقولون إنها احتملت ما لا يحتمله بشر؟.