انخفاض في شدّة الهزات الارتداديّة بعد مضي فترة على حدوث الزلزال.. والمنطقة تميل نحو الاستقرار التكتوني
تشرين – ميليا إسبر:
بعد الزلزال الذّي أصاب سوريّة في السادس من شباط الفائت، والذّي تسبّب بخسائر ماديّة وبشريّة فادحة، انتابت سكان المناطق والمحافظات التي وقع فيها الزلزال حالة من الهلع والخوف، و خاصة بعد إطلاق شائعات مستمرة عن احتمالية حدوث زلزال ثانٍ في نفس المكان، وذلك بالتزامن مع حدوث العشرات من الهزات الأرضيّة الارتداديّة اليوميّة، الأمر الذي زاد من قلق القاطنين وخوفهم.
إذاً ما الوضع العام بالنسبة لموضوع الزلازل في سورية؟ هل يميل للاستقرار في طبقات الأرض أو أنّه بالفعل لايزال خطراً؟
وما مدى صحة تلك الأخبار والأقاويل التي تتحدث عن تكرار الزلزال في البلاد؟
للإجابة عن كل تلك الاستفسارات ومعرفة تفاصيل الموضوع علميّاً، بعيداً عن التكهنات كان لـ” تشرين” حديث خاص مع الجيولوجي عمار عجيب، الذي أكدّ أنّه منذ أن ضرب الزلزال المدمّر منطقة الأناضول وحتى الآن والمنطقة تعيش سيناريو نموذجياً معروفاً لمعظم الزلازل في العالم، وهو النموذج الذي يبدأ بزلزال مدمّر تتبعه هزات ارتداديّة تستمر من عدّة أيام إلى عدّة شهور، بحيث ينخفض المتوسط العام لشدّتها وتواترها مع الزمن، حتى يعود الوضع التكتوني إلى الاستقرار، أي إلى الوضع الذي كان سائداّ قبل حدوث الزلزال.
وأشار عجيب إلى أنّ الهزات الارتداديّة هي نتيجة حتميّة لكل زلزال، ذلك لأنّها تنتج عن إعادة توزيع الأحمال والضغوط التي سبّبها حدوث الزلزال، حيث تعمل الإزاحة المحليّة التي تصيب التشكيلات الصخريّة بعد الزلزال إلى خلق جهود جديدة على امتداد الصدوع المتفرعة من الصدع الرئيسي، الذي حدث الزلزال عليه، وهو في حالة زلزال الأناضول يسمّى صدع شرق الأناضول، مضيفاً: إنّ هناك عدّة صدوع متفرعة من هذا الصدع، وهي صدع ملاطية وصدع مرعش وصدع الأمانوس، وتالياً فقد تركّزت الهزات الارتداديّة منذ حدوث الزلزال يوم السادس من شباط وحتى يومنا هذا على تلك الصدوع.
خبير جيولوجي: لا يمكن التنبؤ بحدوث الزلازل.. وكل ما يشاع عن حدوث زلزال في وقت محدد ما هو إلا ضرب من الشعوذة والدجل
أمّا بالنسبة للمناطق السورية فبيّن الجيولوجي عجيب أنّ الصدع الأقرب هو صدع الأمانوس، وهو الصدع المار من لواء اسكندرون، مروراً بالبحر قبالة سواح اللاذقية، ليتصل مع صدع قوس قبرص المار من جنوب قبرص، كاشفاً أنه بسبب قرب هذا الصدع من الأراضي السوريّة فقد كانت الأغلبيّة الساحقة من الهزات الارتداديّة التي شعر بها السوريون تتركز على هذا الصدع، حيث كان أبرزها الهزة الارتداديّة التي حدثت يوم عشرين شباط الفائت والتي بلغت شدّتها حوالي 6.3 ريختر.
وذكر عجيب أنّه بحسب القياسات التي أجريت على الهزات الارتداديّة على مدى أكثر من عشرين يوماً، فإن المتوسط العام لشدّة الهزات الارتداديّة قد انخفض من 4.4 إلى 2.9 كما أن متوسط تواترها انخفض بشكل ملحوظ أيضاً، وهذان مؤشران على أنّ المنطقة تتجه الى الاستقرار التكتوني، وعلى أننا نعيش سيناريو نموذجياً للزلازل، منوهاً بأنّه في الأيام الخمسة الأخيرة تغيّر نمط شدّة وتواتر تلك الهزات بشكل ملحوظ، ما يبشّر بأنّ مدّة الهزات الارتداديّة سوف تكون أقصر من المعتاد، إن استمر الوضع التكتوني على ما هو عليه الآن.
وأوضح عجيب بالنسبة لفالق الغاب أو فالق مصياف فهو أيضاً صدع رئيسي ومرتبط بشكل وثيق بفالق شرق الأناضول، الذي حدث الزلزال عليه، لكن يبدو أنّ الإزاحة التي أصابت التشكيلات الصخرية بسبب الزلزال حدثت باتجاه الغرب والشمال الغربي،أي بعيداً عن صدع الغاب، ما قد يشير إلى أنّ تأثر صدع الغاب بالزلزال كان في حدوده الدنيا وهذا ما قد يفسّر قلّة عدد وشدّة الهزات الارتداديّة التي حدثت في الشمال السوري على طول صدع الغاب ( لم يسجل أي هزة ارتداديّة جنوب سهل الغاب )، مبيناً أنّ الهزات الأرضيّة التّي سُجلت في الأراضي اللبنانية وقبالة سواحل صيدا، وقبلها الهزة التي حدثت في الأراضي الفلسطينيّة وإلى حدّ أبعد تلك التي حدثت على صدع السويس قد تعزا إلى تأثر صفيحة شرق المتوسط أو الصفيحة الإفريقية بزلزال الأناضول كونها تقع إلى الغرب من صفيحة الأناضول باتجاه الإزاحة نفسه.
وكشف عجيب أنّه بالنسبة لصدع الغاب كما يسمّى في سورية، أو صدع اليمونة كما يسمّى في لبنان أو صدع البحر الميت، كما يسمّى في الأردن وفلسطين فهو صدع معقّد للغاية ويعتبر من أكبر الصدوع الموجودة في العالم إن لم يكن أكبرها على الإطلاق ، وهو صدع نشط، وتالياً إن احتمال حدوث زلازل عليه وارد في كل لحظة قبل وبعد زلزال الأناضول، وبالتالي فالاحتمالات هي نفسها لم تتغير بما يخص حدوث زلزال عليه، أمّا بالنسبة للهزة الخفيفة التي حدثت بالقرب من مدينة سلحب، الواقعة بالقرب من هذا الصدع فهي حالة روتينية على مثل هذه الصدوع، وهي تحدث ثلاث مرات في الشهر وسطيّاً كنتيجة حتميّة
لوجود مثل هكذا صدع في المنطقة، وتاليّاً لا يمكن اعتبارها مؤشراً إيجابياً ولاسلبياً، وإنمّا هي فقط حالة روتينية تحدث باستمرار.
إذاً المؤشرات كلها، وخاصة المتوسط العام لشدّة الهزات الارتداديّة ومتوسط تواترها مع الزمن، تقول إن الوضع التكتوني للمنطقة ينحو الاستقرار ، وإذا استمرت المنطقة على هذا النحو، فمن المتوقع أن تعود إلى استقرارها مع نهاية شهر آذار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عودة المنطقة للاستقرار لا يعني اختفاء الهزات نهائيّاً، فهذه المنطقة دائماً تسجّل هزات هنا وهناك، حيث إنّ هذه الهزات الخفيفة والمتوسطة هي إحدى علائم الشخصية التكتونية للمناطق النشطة زلزاليّاً كمنطقتنا، وذلك حسب ما قاله الجيولوجي عجيب.
مؤكداً على عدم إمكانية التنبّؤ بالزلازل في المستقبل، وكذلك عدم إمكانيّة نفي حدوثها، وبالتالي فكل ما يشاع من كلام حول حدوث زلزال في يوم ما، وفي منطقة ما، ماهو إلاضرب من ضروب الشعوذة والدجل، منوهاً بأنّ الوضع التكتوني على طول الصدوع، وخاصة العملاقة منها، كصدع البحر الميت، هو أعقد بكثير من أن يُتنبأ به، لكن من الضروري جدّاً الاستفادة من تلك التجربة المُرّة ومحاولة تحصين أنفسنا من أي تجربة مماثلة في المستقبل القريب أو البعيد، وذلك من خلال اتباع أسلوب جديد في البناء، يراعي شروط السلامة الزلزاليّة إلى أبعد حد وهو ممكن، وهناك الكثير من الدول التّي تقع ضمن مناطق نشطة زلزالياً أصبحت آمنة بفضل رفع معايير السلامة الزلزاليّة للأبنيّة، كاليابان مثلاً.