الجزائر القمة
خصّ الكاتب العُماني سالم بن محمد بن أحمد العبري صحيفة «تشرين» بهذه المقالة مع اقتراب انعقاد القمة العربية قال فيها:
هاهي القمة تلتئم بالجزائر إذ قد لا تنعقد إلّا بالجزائر؛ جزائر الجهاد والموقف والصمود والثبات، ثبات القابض على الجمر فهي تلقت العشرية السوداء قبل الخريف العربي بعشرين عاماً وخرجت واقفة صامدة تجدّد مركزيتها ومكانها الذي لن يحل أحد فيه بدلاً منها وقد أعطت لقريناتها آلية المواجهة والصمود وإفشال مخططات العدو التى يرسمها من قبل عقود، فلا غرو أن يقول طيّار عربي متقاعد إنهم كانوا يدربوننا ويقولون: إن هذه هي خطة احتلال سورية أو العراق أو الجزائر إلخ، فهم يفكرون في احتلال كل دول العالم التى لا ترفع العلم الأبيض مسلِّمة أراضيها واقتصادها لهم، يعبثون بها كما يودون؛ أراضٍ محروقة، واقتصاد منهار، وتعليم محدود، وتنمية توصل البلد إلى كونه سوقاً محددة لهم.
نعم ها هي الجزائر تزهو بأعلام الدول العربية مؤذنة بأن القمة العربية واقع لا خيال، وما كان لها أن تكون إلّا في الجزائر.. فهنيئاً لأرواح ملايين الشهداء الذين أعطوا أرواحهم لتتبوأ بلادهم هذه المكانة المرموقة، وهنيئاً لقيادة الرئيس تبون هذا المنجز إذ أصّر على أن يضع لبنة في وحدة أمة متهاوية، فله مع فريق عمله كل التقدير والامتنان والدعاء إلى الله أن يكلل جهودهم بالتوفيق.
ونثمن أيضاً للقادة الذين تعالوا على الجراح واستشفوا من الأمراض ولبّوا دعوة الأمة الممثلة بدعوة الجزائر لهم للتوافد لوضع قواعد جديدة لبناء عربي يوحد..لا يفرق، يناقش.. لا يختلف، يُصلح.. لا يهدم، يجمع لا يفرق، لينطبق على الأمة: “كنتم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً”.
وإذ نؤكد على ما قلناه في مقالنا الأول المنشور في تشرين الأول، فإننا نستميحكم القول مراراً إن أول ما يلزم فعله لنبدأ بداية سعيدة واعدة للمؤتمر و للأمة وللمستقبل هو إلغاء قرار يوم الظلّة بتجميد عضوية سورية، فلا معنى لجامعة من دون سورية، ولا تجتمع الأمة وتصحو وتستعيد حيويتها من دون قلبها وهي سورية قلب العروبة الذي لا نقوله اعتباطاً وغناءً بل حقيقة، هل كنتم لتكونوا من دون سورية وهل نجحتم في سلم أو حرب من دون سورية، تذكروا إنجاز تشرين الأول ١٩٧٣ هل كان ليكتمل ويحقق الأهداف والجيش العربي السوري في ثكناته، ألا تعلمون عندما كان المخطط من القيادتين العسكريتين السورية والمصرية، أنهم راعوا حتى مواجهة الشمس للجيشين، وهما يبدأان المعركة ويعبران بآلياتهما وجنودهما.
هل كان ذلك المنجز التاريخي سيتحقق لأحدهما من دون الآخر؟ لا، ودليلنا على ذلك أنه لما تخلخلت الجبهة المصرية تراجعت الجبهة السورية لأنّ العدو نقل إمكاناته كلها للجبهة السورية مطمئناً أنّ الجبهة الجنوبية قد جمدت.
وهل وقفة القادة وعلى رأسهم الملك فيصل، لإيقاف ضخ البترول كانت ستتحقق لولا الوحدة لعماديّ الأمة مصر وسورية.
إذ نرجوكم، ثم نرجوكم ونناشدكم بالله ورسله: سدوا أولاً هذه الثغرة وصححوا المسار ولتأتي سورية قبل أن يسعف الوقت هذه القمة، ففي القمة القادمة التى تنعقد في الجزائر نأمل أن يرأب الصدع ويرقع الثوب ويشفى الجسد.
ثم نتوسل إليكم أن تباركوا المبادرة لضم شتات الشعب الفلسطيني الذى هو نتاج افتراق الأمة وتلاشي قوتها وتفرقها شيعاً ومذاهب، باركوه وكونوا مع الجزائر صفاً واحداً داعمين لتنفيذه، مراقبين لخطوات العمل، مصلحين لما قد يشوب من عقبات السير، حسب الاتفاق، متخذين إجراءات غير معلنة لإرجاع وتصويب من يوّد أن يناور ويماطل.
ولعلّ ما يمكنكم مما أشرنا إليه هو العمل على توفير احتياجات الإطار الفلسطيني من إمكانات مالية يقوم بها الغير الآن كأوروبا وأمريكا حتى يتحرر العمل الفلسطيني من الهيمنة الأجنبية وحتى يستشعر وقوفكم المخلص الصادق معه ويتذوق طعم ذوي القربي وإخوتهم ومقدّساتهم وتوفير لقمة العيش الكريمة له.
نحن على ثقة أنّ جميع القادة سينظرون بإبصار إلى الأمة وبعيون وفكر حكمائها السابقين والحاضرين وليترفعوا عن المماثلة والمعاقبة والضغينة والجفاء وليعلموا أنهم موقوفون عند الله إن سامحت الأمة وأغمضت عينها، لعلّهم ينظرون إليها بالرحمة والمودة والحسنى، وفّقكم الله وسدد خطاكم وأعانكم، دعونا نكن عيونكم التى تبصرون بها، وعقولكم التى تفكرون بها، وأيديكم التى ترفعون بها البناء الذي سيعنون باسمكم لا باسمنا وإن اضطررتم أن نكون أيديكم التى تبطشون بها عدو الأمة فستجدون الأمة كلها خلفكم.