تساؤلات صعبة في جعبة أصحاب «البزنس السياحي».. ووصفة لإنعاش أهم قطاع واعد بإنتاج فرص العمل الحقيقية
تشرين- ميليا اسبر:
نسمع بين الحين والآخر عن تدشين فنادق سياحيّة من درجة خمس نجوم ومنشآت سياحية مختلفة، يتحدّث خلاله المعنيون عن ضرورة التركيز في المرحلة القادمة على القطاع السياحي لأهميته في تعافي الاقتصاد المحلي وازدهاره، لكن في الحقيقة واقع السياحة في سورية لا يزال خجولاً، فهناك بطء في تحقيق الاستثمار السياحي حسب آراء مختصين في هذا المجال .
السؤال كيف يمكن التحدّث عن عودة السياحة ونشاطها في ظل عدم توفر أهم مستلزماتها (الكهرباء والمحروقات)؟ وكذلك وجود حصار وعقوبات اقتصادية على البلاد، إضافة إلى العامل الأهم وهو التضخم في العملة وما لها من تبعات وانعكاسات سلبية تعوق عمل الاستثمار، كما يقول مستثمرون لـ” تشرين” .
إذاً في ظل وجود مناخ غير مناسب للاستثمار السياحي على المدى القريب، ما هو المطلوب من وزارة السياحة بشكل خاص، ومن الحكومة بشكل عام من أجل دعم المستثمرين وتشجيعهم بهدف عودة السياحة إلى ألقها؟
تشرين” التقت عدداً من المستثمرين للوقوف على واقع استثماراتهم السياحية في البلاد، وأهم المعوقات التي تعترض عملهم، والتسهيلات التي يجب أن تقدم لهم من أجل النهوض مجدداً بالقطاع السياحي .
أول استثماراته في حلب بعد تحريرها
لم يمنعه اغترابه في الكويت لسنوات عديدة من الاستثمار في بلده، أحمد طحان مستثمر في محافظة حلب ومقيم في دولة الكويت، ولديه استثمارات هناك، يقول : بعد تحرير حلب أراد أن يكون إنجازه الأول فيها عن طريق استثمار فندق تراثي عمره لا يقل عن 180 سنة، وهو مبنى مهمل منذ عام 2007 تمّ طرحه كاستثمار على نظام (بي أو تي ) لمدة 25 عاماً ، والمبنى مؤلف من خمسين غرفة ، يضم “نادياً صحياً – حمام سوق- خانات وفعاليات تجارية – مطاعم – ترّاسات” ، متوقعاً أن يتم فتح المرحلة الأولى من المبنى في العام القادم .
وتحدث طحّان عن تأثير العقوبات الاقتصادية على سورية التي أدت إلى بطء في تحقيق الاستثمار السياحي، منوهاً إلى أن السياحة حتى الآن لا تزال خجولة ، حيث يلعب عامل الأمان دوراً مهماً في قدوم السياح، إضافة إلى ضرورة الترويج السياحي قبل بدء العمل في الاستثمار به.
وأشار إلى أهم معوقات الاستثمار السياحي هو التضخم الذي يؤدي إلى الخسارة بسبب تضاعف أسعار البضائع والمواد المستوردة ، إلاّ أن هذا الوضع خارج عن الإرادة، وهو وضع عالمي حالياً ، إضافة إلى قلة اليد العاملة بشكل كبير.
كل هذه المعوقات يجب أن يتم إيجاد حل لها من الحكومة لتسهيل عملية الاستثمار في البلد .
استثمارات ضعيفة
هيثم مصري مستثمر وعضو غرفة السياحة في المنطقة الوسطى , أوضح أنّ الاستثمار في مجال السياحة يحتاج إلى اهتمام من وزارة السياحة , من حيث تقديم تسهيلات التراخيص، مشيراً إلى أنّ الصعوبات الرئيسية لهم كمستثمرين هي المحروقات والكهرباء، لذلك يجب على وزارة السياحة أن تتحمل جزءاً من هذه الصعوبات .
وعن واقع السياحة في المنطقة الوسطى، أشار مصري إلى وجود استثمارات ضعيفة جداً , حيث تعاني مدينة حماة من قلة عدد الفنادق فيها التي لا يتجاوز عددها سبعة فنادق, في حين تحتاج المدينة لتغطية الطلب إلى عشرة فنادق، والأمر ذاته بالنسبة لمدينة حمص، إضافة إلى نقص كبير باليد العاملة، حيث تم استبدال عمالة الذكور بالإناث بسبب هجرة الكثير من الشباب ، فسابقاً كانت نسبة الذكور الذين يعملون في مجال السياحة 80%، و 20% من الإناث، أما حالياً فأصبح العكس تماماً، آملاً أن يكون موسم السياحة في العام القادم أفضل بكثير من سابقيه .
سريع النمو ومكثّف للعمالة
بدوره، مدير عام هيئة الاستثمار السورية الدكتور مدين دياب أكدّ في تصريح خاص لـ” تشرين ” أنّ الاستثمار في القطاع السياحي يعد استثماراً مكثفاً للعمالة ويخدم العملية الإنتاجية، وأهم ما يميزه في هذه المرحلة أنه سريع النمو، علماً أن أحد أهم أهداف قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 توليد فرص عمل، مشيراً إلى أنه منذ صدور القانون وحتى تاريخه تم إصدار ثلاث إجازات استثمار لثلاثة مشروعات سياحية والتي يمكن اعتبارها قطب نمو في الموقع الجغرافي الذي ستقام عليه المشروعات السياحية، علماً أنّ نسبة المشروعات السياحية 5% من كتلة الاستثمارات وفق القانون 18 والبالغة 27 مشروعاً بتكلفة تقديرية 1.5 تريليون ليرة.
تأسيس استراتيجي
وذكر د . دياب أنّ أي مستثمر يتقدم للمشروعات المعروضة سوف تقوم هيئة الاستثمار مع وزارة السياحة خلال شهر بمنحه إجازة الاستثمار متضمنة كل الموافقات و التراخيص, بحيث تعد إجازة الاستثمار نقطة البدء للسماح بتنفيذ المشروع الاستثماري وولادته والبدء بالاستفادة من حقوق المستثمرين إلا أنه يترتب عليهم بعض الالتزامات.
ولدى السؤال عن كيفية إقامة استثمارات سياحية وجذب المستثمر سواء المحلي أم الأجنبي في ظل غياب أهم مستلزمات الاستثمار مثل المحروقات والكهرباء، أجاب د. دياب: إن العملية الاستثمارية تسير تلقائياً، علماً أن تأسيس المشروع يكون لسنتين أو ثلاث وبالتأكيد لن يبقى الوضع على حاله، ما يعني أن التأسيس استراتيجي إلى حين النهوض بكل المشروعات وبكل القطاعات، وأيضاً تحقيق أهداف القانون بتنمية شاملة مستدامة ومتوازنة , بحيث تنهض كل القطاعات مع بعضها، لافتاً إلى أنه منذ صدور القانون تم وضع سبعة مشروعات بالإنتاج بشكل فعلي, إضافة إلى خمسة مشروعات سيتم وضعها بالإنتاج أيضاً، مبيناً أنه بالرغم من كل الصعوبات هناك استثمارات تقام في البلد والهيئة تقف إلى جانبها حتى توضع بالإنتاج مع محاولة تخفيف التكاليف، علماً أن زيادة عدد المشروعات تعني زيادة نسب المنتجات المحلية، وتالياً تنعكس على تكلفة المنتج ووصوله إلى المستهلك بشكل نهائي ، حيث يُلمس أثره على المواطن بشكل مباشر.
أربع شرائح استثمارية
من جهته، معاون وزير السياحة غياث الفراح أشار إلى وجود زيادة ملحوظة بالقدوم السياحي إلى سورية من السياحة العربية والأجنبية، وكذلك السياحة الداخلية التي شهدت نشاطاً كبيراً ، منوهاً إلى أنّ الفرص الاستثمارية المعروضة هي فرص غنيّة ومتنوعة، والجديد أنها تعرض على أربع شرائح، الأولى: شريحة العرض الاستثمارية وهي مشروعات جاهزة وفق دفاتر شروط , حيث يتم فور تقدّم المستثمر ورسوّ العرض عليه المباشرة بحصوله على التراخيص والتنفيذ.
الشريحة الثانية : شريحة العرض الترويجي وهي مشروعات بحاجة إلى استكمال بعض الإجراءات و فور تقديم المستثمر رغبته في الاستثمار تتم متابعة الإجراءات وعرضها وفق الشريحة الأولى.
الشريحة الثالثة مهمة جداً وهي شريحة المشروعات السياحية الشعبية والشواطئ المفتوحة, لتأمين أماكن ارتياد للمواطنين لذوي الدخل المحدود بأسعار رمزية مدعومة من الدولة.
أمّا الشريحة الرابعة فهي شريحة خاصة بالمستثمرين , ممن لديهم مشروعات قاموا بترخيصها لكن تعثروا خلال الأزمة، وتوقفوا لأسباب تمويلية وإدارية، حيث تساعدهم الوزارة على حل تلك المشكلات، منوهاً إلى وجود استثمارات عربية و دولية كثيرة أعيد إطلاق الأعمال فيها سواء لمستثمرين عرب أم أجانب، وتالياً عودة الاستثمارات الأجنبية والعربية للعمل في سورية تعني إنتاج مشروعات جديدة بمستويات عالية.
إيجاد فرص عمل
وبيّن الفراح أهمية السياحة بإيجاد فرص عمل سواء مباشرة أو غير مباشرة , وخاصة في ظل الركود الاقتصادي حالياً, حيث إنّ المشروعات السياحية هي مشروعات مولدة لفرص العمل، ما يعني أن أي فرصة عمل مباشرة لمشروع تقابلها ثلاث فرص عمل غير مباشرة , من خلال تشغيل القطاعات والحرف التي لها ارتباط وثيق بتأمين احتياجات الناس، لافتاً إلى أن إقامة مشروعات سياحية لها دور اجتماعي مهم جداً , حيث إن إحداث مشروع بأي منطقة يحدث تنمية اقتصادية واجتماعية تعود بالفائدة على المواطنين, إضافة إلى إيجاد فرص عمل لأبناء المنطقة .
وختم معاون وزير السياحة بالقول : إنّ القطاع السياحي في المرحلة القادمة سوف يشهد تعافياً أكثر , وذلك من خلال عودة افتتاح المشروعات السياحية ودخولها بالخدمة , والقدوم السياحي المتوقع منها.