ما خفي في حياة القاع.. «الملاهي الليلية» كيف تجني أرباحها مع واقع اقتصادي متراجع؟

تشرين- مصطفى رستم:
تسابق فتاة الليل فتون الوقت وصولاً إلى مكان عملها، مستقلة عربة (التاكسي) العامة بلونها الأصفر، لا تشبه كثيراً عربة يقطين تجرّها أحصنة بيضاء، لبرهة تخيلت الفنانة الاستعراضية، كما هو مسجلٌ في بطاقة عملها، أنها كفتاة الحكايات، ساندريلا، أعباء الحياة المتثاقلة على ذلك الجسد، كسرت ما تبقى من أحلامها ولم يبقَ لها سوى السهر ليلاً لتكسب لقمة عيشها.
داخل الملهى
تلج راقصة الاستعراض مكان عملها الوحيد بعد أن تخلع عباءتها السوداء الحالكة كعتمة ليل بارد إلى داخل مكان يعجّ باللون الأحمر الصاخب الممزوج بأصوات موسيقا أغنية شعبية مرتفعة، يختلط معها صوت المطرب المغمور متوسطاً فرقة موسيقية في حين تحضّر نفسها وأخريات ممن معها للرقص على أنغام الضجيج المتبعثر من آلات الموسيقا مع أصوات الزبائن ورواد الملهى.
يقدر عدد الملاهي الليلية في مدينة حلب بسبعة وفق ما علمناه في سجلات وقيود مديرية السياحة، كلّ منها تُقدم برامجها الخاصة بها رغم أنها تحمل جميعها مستوى (نجمتين) وما فوق إلّا أن مستوى رواد تلك النوادي والبرامج يتفاوت بين ملهى وآخر.
على الوحدة ونص!
مع بداية الحرب توقفت الملاهي عن العمل وعادت في العام 2016 لكن من دون فرق الاستعراض الأجنبية، واعتمدت على الفنانات السوريات منذ ذلك التاريخ إلّا أن “زكّور” وهو مدير صالة في نادٍ ليلي يجد أن (الشغل) خفّ بريقه عن السابق ملقياً اللوم على الواقع الاقتصادي والمعيشي، فالملاهي التي تتوضع أغلبها في منطقة تسمى “بستان كل آب” تقدم كل البرامج الترفيهية، ورواد المكان أغلبهم من محدثي النعمة.
ولا يخفي زكور عن حضور عائلي قليل لكنه نادرٌ فأجواء السهر لا تبدو عائلية بالمطلق، وتعتمد في جلّها على ركن فني تتخلّلها فقرات استعراضية وكما يحوي عدداً من الملاهي المنافسة فقرات أكثر تنوعاً تتضمن (الرقص الشرقي) وإن غابت الأخيرة سيحرمهم من أرباح ما درج على تسميته في عالم النوادي الليلية بـ(الشكلة) حسب قول مدير الصالة.
ويشرح زكور معنى (الشكلة) وهي المجالسة مع الفتاة الاستعراضية أو الراقصة بعد أداء رقصتها والانتهاء من عملها في هذه الجلسة أو (الشكلة) كما هو دارج في عرف أرباب الملاهي يتبادل أطراف الحديث فيها الزبون مع الراقصة وهذا يعني أن يقدم الزبون لما يطلق عليه بـ(المعلم) في الملهى ما لا يقل عن (10) آلاف ليرة سورية تأخذ منها الفتاة حصتها نصف المبلغ.
ليس كل راقصات الاستعراض يقبلن بمحادثة الزبائن أو مبادلتهم الأحاديث الودية لكن الراقصة فتون وهو اسم العمل لديها كما كل الراقصات يطلقن ألقاباً على أنفسهن ولا يعطين أسماءهن الحقيقية، لا تمانع بالمحادثة مع ما تصفهم بـ الزبائن داخل الملهى وتحرص على عدم انتقال هذه المحادثات إلى خارج أبواب هذا المكان الأحمر وبعد انقضائه ينتهي (البزنس) كما تورد: “من صلب عملي الحرص على تسلية الحضور، ونثر أجواء الفرح لهؤلاء الناس، هم جاؤوا إلى هنا بحثاً عن السعادة”.
(الأوردر) والضرائب
ويتهيأ النادي الليلي للعمل منذ الساعة الـ 11 كل يوم إلى الصباح حتى الساعة الرابعة ولا ينتظر بعدها أي تأخير وفي حال حدث ذلك يغلق حسب الأنظمة والقوانين عبر دورية من قسم الشرطة المختص.
ويضم الـ (النايت كلبّ) ما يقارب 5 إلى 6 عمال تتنوع مهامهم بين النادل (الكرسون) وغيرهم من عمال الحراسة والمطعم (البار) ولابدّ من وجود أحد العمال يقف على الباب ليضبط آلية الدخول، خاصة منع دخول أي شاب تحت عمر 18 أو فتاة لا يسمح بإدخالها كما لا يسمح بدخول ممن يحملون السلاح.
وإلقاء المال على الراقصات فيها العديد من الأساليب وتحدد لهم المبالغ بالتوازي مع اتفاق بين مدير الصالة والصندوق على إعادة الأموال التي ألقاها مجدداً للشخص لكن مع حسم جزء منه، وهذه الحركة هي تشجيعية بهدف إثارة الحماس عند الجمهور ليدسوا أيديهم بجيوبهم ويرموا ما تيسر لهم، ويفرغون جعبتهم من أوراق مالية.

تطوير الخدمة
لقد بذلت مديرية السياحة خلال فترة ما قبل الحرب جهداً في تأهيل هذه الأماكن.. يقول المهندس “إلياس درماش” رئيس دائرة الجودة والخدمات السياحة سابقاً، وحالياً مدير النقل السياحي عن عملية تحسين مستويات الملاهي ويكشف عن كونها كانت في بعض الأحيان تستخدم لغايات أخرى مغلفة ويضيف: “لكن وجودنا كمديرية الرقابة بتضافر بقية الجهات المختصة رفعت من مستوى الملاهي وزادت الرقابة عليها، بدأ ذلك منذ العام 2007 إلى أن اندلعت الحرب وتوقفت ومن ثم عادت للعمل”.
سلسلة ضوابط كانت ومازالت تحكم عمل الاستعراض منذ بدأت مديرية السياحة برفع مستوى الملاهي وجودة عملها، بالإضافة إلى الرقابة الصحية من خلال إجراء تحاليل “الإيدز” على الراقصات بشكل دوري بالتنسيق مع مديرية الصحة.
بعض الملاهي كانت تمارس أعمالاً غير شرعية وغير قانونية في فترة ما قبل الحرب ومع استخدام الفرق الاستعراضية للفتيات الأجنبيات كان بعض أرباب العمل يحجزون الجوازات لإرغام الفنانات لأغراض مشبوهة كل تلك التجاوزات تم ضبطها وبالتنسيق مع الجهات المختصة.
ضبط الإيقاع
من جانبه رئيس فرع نقابة الفانين في حلب “عبد الحليم حريري” يفرّق بين عمل النادي الليلي في مرحلتين فقبل الحرب ليس كما بعد الحرب لأن عملها بات ضئيلاً جداً ويشرح طريقة التعامل والتواصل معها قائلاً: “يشترط في عمل الفنانين أن يكونوا مسجلين في نقابتنا، وبالتالي شرط الالتزام ضروري، للبقاء على قيود النقابة”. لا ينفي حريري نقيب الفنانين تراجع المستوى الفني حالياً حيث اختلف رواده عن السابق قبل عقود من الزمن، جازماً بأن النادي كان يقدم عروضاً فنية (شو) لفرق باليه تأتي من هولندا ودول أوروبية، اليوم لا نشاهدها، معرباً عن أسفه من تراجع المستوى ويتابع: “رواد اليوم أناس بسطاء قد لا يهمهم الجانب الفني يأتون للتسلية وتمضية الوقت، بالتأكيد اختلف رواد النوادي عما سبق، وبالنسبة للبرنامج غير مراقب من طرف النقابة، لذلك لابدّ من النظر إلى أنّ هذه الأماكن أصابها التراجع بفترة كورونا وتراجعت عن العمل ولابدّ من تشجيعها للاستمرار لأن كل منشأة ترعى عائلات كثيرة، ونحن بمدينة كحلب نحتاج أن تسير الحياة في شرايينها”.
بعض العاملين في هذا القطاع ينفون أنها تخسر أو أن أرباحها كبيرة، بل يتجه الكثيرون إلى أن عوامل الربح والخسارة ترتبط بالواقع المالي للرواد، وهناك ليالٍ تعدّ بالنسبة لهم (مواسم) يجنون فيها الأرباح، وكم من سندريلا في (النايت كلبّ) تبدأ سهرها حين تدق الساعة الثانية عشرة ومعها يبدأ عداد الأرباح لأمراء مطارح السهر حتى الصباح.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار