مهرجان الثقافة الموسيقية في حمص يكرّم “عندليبها الأسمر “
تشرين – نضال بشارة:
لم نتوقع أن الفنان ” أنور سمعان” الذي تجاوز الثمانين من سنوات عمره والذي كان يبدو أنه يعاني وعكة صحية، أنه بعد اعتزاله الغناء منذ أكثر من أربعين سنة، أن يبدو كأنه في عزِّ شبابه ما إن يقول “المقطع الأول” من أغنية ” قولولو الحقيقة” للفنان الراحل عبد الحليم حافظ التي كتبها مرسي جميل عزيز ولحنها كمال الطويل! فتكريمه ضمن الليلة الأولى من ليالي مهرجان الثقافة الموسيقية العشرين كأنها أعادت له صباه وحيويته ما إن دعاه الفنان مروان غريبة رئيس فرقة نقابة الفنانين، الجهة المنظمة للمهرجان بالتعاون مع مديرية الثقافة بحمص، للمشاركة في مطلع الأمسية الغنائية التي قدمتها الفرقة بعد أن تم الافتتاح على خشبة مسرح قصر الثقافة بكلمة رئيس النقابة الموسيقي والناقد أمين رومية الذي أشار إلى سنة تأسيس المهرجان عام 1989 والذي أصبح اليوم علامة فارقة في المشهد الثقافي في حمص ومساحة أساسية لإطلاق المشاريع الإبداعية للفنانين التواقين لهوية أصيلة للأغنية العربية وإضافتها إلى التراث الإنساني، وهذا من صلب مهام نقابة الفنانين في مواجهة التيار الذي يقدّم أعمالاً مبتذلة، كما أشار إلى أن النقابة على ثقة بأن الزمن كفيل بإسقاط ما هو ليس إبداعياً وإنسانياً.
اهتمام واعتزال
بعد ذلك جرى عرض فيلم قصير عن الفنان المكرّم “أنور سمعان” من إعداد وإخراج الزميل مهيب بهلول أضاء فيه على محطات من تجربة الفنان المكرّم منذ أن فتنته أصوات العمالقة في الطرب ( محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، فريد الأطرش، والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ) وكان الأخير قد سحره بصوته وأثّر فيه، مروراً بسفره الدائم لدمشق لتعلم العزف على آلة الغيتار على يدي الموسيقي ” جوزيف قسطنطينيدس، ثم تسجيل بعض الأغاني الخاصة به التي أعطاها له كبار الملحنين السوريين: شاكر بريخان ونجيب السراج، سهيل عرفة، سمير حلمي، سليم سروت وأمين الخياط الذي حضر التكريم مع أعضاء المجلس المركزي للنقابة في دمشق، أُعطيت له الألحان بعد أن تم نقل وظيفته إلى وزارة الإعلام، بناءً على اهتمام من المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون الراحل ” مصباح دبجن”، لكن الشاب حينذاك المغرم بصوت عبد الحليم سرعان ما اعتزل الغناء عام 1974 رغم كل ما حققه من حضور. وكنا قد لاحظنا من خلال الاستماع للفنان المكرّم ذلك الإحساس العالي لديه بالكلمة، وأنه لا يزال يتمتع به بشكل نضرٍ، ما يطرب المستمعين إليه ببهجة ثرية. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس نقابة الفنانين في سورية الفنان محسن غازي وأمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي بحمص عمر حورية، والفنان أمين رومية قدموا للفنان المكرّم درع المهرجان وشهادة تقدير، كما قدموا شهادات تقدير لفرقة نقابة الفنانين استلمها الفنان مروان غريبة، وشهادة تقدير للفنان حسان لبّاد مدير الثقافة بحمص، وشهادة تقدير أيضاً لحسان علوش لما قدّمه من “سبونسر ” للمهرجان.
غناء وارتجالات
وبالعودة لبرنامج الحفل الذي قدمته فرقة نقابة الفنانين شارك فيه أيضاً الفنانون اكتمال حاماتي، وعمار العبد الذي غنّى أولاً ثلاثة أعمال (يا بحر يا دوّار) من أعمال وديع الصافي كلمات إيلي شويري وألحان وديع الصافي، (يا حلو صبّح) كلمات مرسي جميل عزيز، ألحان كمال الطويل، من أعمال محمد قنديل. ومن أعمال عبد الحليم حافظ (يا هلي ياهلي) كلمات وليد جعفر، ألحان عبد الحميد السيد. ونلاحظ خياراته الموفقة التي بدأت بياء النداء، وتجلياتها الجميلة التي غناها بصوت مليء بالإحساس كما يعرف عنه. وكان لكمان الفنان هادي بقدونس كفنان ضيف ارتجالاته، التي أظهر فيها أولاً مهارته في التكنيك لكن من دون أن نلمس لها أي تفاعل، ما اضطره لعزف أغنية لأم كلثوم وهبط عن خشبة المسرح عازفاً بين صفوف المسرح محاولاً كسب تفاعل الجمهور كتعويض لكننا لم نجد في هذه الطريقة من العزف رغم أنها حركت التفاعل لدى جمهور حمص، انسجاماً مع ما يحرص المهرجان على تقديمه. واختتمت الحفل الفنانة اكتمال حاماتي بصوتها الشجي والدافيء بتقديم ثلاثة أعمال، كان أولها (خفيف الروح) كلمات بديع خيري وألحان سيد درويش، ثم غنت (إن كنت ناسي أفكرك) الأغنية الشهيرة للفنانة هدى سلطانة التي آثرت أن تتابع حياتها الفنية كممثلة مبتعدة عن الغناء رغم جمال صوتها، والأغنية من كلمات محمد علي أحمد وألحان رياض السنباطي، واختتمت بأغنية جميلة جداً وصعبة الأداء من أغاني نجاة الصغيرة (ما استغناش عنك) التي نادراً ما تتجرأ فنانة على تقديمها، من كلمات عبد الوهاب محمد وألحان محمد الموجي، فكان ختام حفل الليلة الأولى من المهرجان الذي يستمر خمسة أيام، مسكاً وعنبراً بصوتين من أهم الأصوات في حمص.