الطبّاخون السوريون.. نجومنا الأكثر حضوراً على وسائل السوشيال ميديا
تشرين-سامر الشغري:
من المعروف أن المطبخ السوري واحد من أعرق المطابخ على مستوى المنطقة والعالم، لقد استفاد الطهاة في هذه البلاد على مرّ العصور من ازدهار الحضارات على الأرض السورية، ومن غنى طبيعتها وتنوع مواردها، فاستنبطوا منذ آلاف السنين أطباقاً ووصفات بلغ صيتها المعمورة.. ومن الغريب أن تطلع بيننا أصوات تنسب مطبخنا لنظيره التركي الحديث نسبياً والأصح هو العكس، لأن الأتراك وفدوا إلى المنطقة منذ 700 سنة، بينما مطبخنا السوري تعود جذوره المعروفة للفينيقيين والسريان والرومان، والأتراك هم من تأثروا بمطبخنا ونسبوه لأنفسهم وأطلقوا عليه تسميات تركية، وما يؤكد عراقة المطبخ السوري وتفنن طهاته ما ذكره مؤرخون عن أطعمة كان الطباخون الدمشقيون يتفنون بطهوها للخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان كالبط المحشو بالدهن وغيره.. ولكن تكنولوجيا اليوم أنصفت المطبخ السوري وعرّفت العالم إليه بصورة واسعة بمدرستيه الرئيستين الدمشقية والحلبية، وظهر زمن الحرب طباخون سوريون معظمهم شباب أطلقوا صفحاتهم وقنواتهم على وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك + اليوتيوب) وهم يطهون من مطابخ بيوتهم ويتحدثون مع الجمهور على الشاشة بلهجة سورية محلية مغرقة، لإضفاء الحميمية على فيديوهاتهم مستفيدين من غزارة وصفات الطعام السورية، ومضيفين إليها في الوقت نفسه وصفات غربية وعربية، حاصدين في أغلب الأوقات مشاهدات عالية.
أول هؤلاء وأكثرهم نجاحاً (عمر أبو لبدة) المعروف بالشيف عمر، الذي يحظى بشعبية عند النساء لم تتسنَ لنزار قباني شاعر المرأة، والناس اليوم تتابع وصفاته وفيديوهاته أكثر من أغاني كبار المطربين، واسمه يتصدر محركات البحث وصفحات التواصل الاجتماعي.. ورغم أن معظم الأكلات التي يقدمها الشيف عمر تنتمي للنوع سهل التحضير من الغربي والشرقي، إلّا أن طريقة تقديمه للطبخة أخذت بألباب المتابعين، ولاسيما مع عباراته الشامية المتداولة مثل “الله يباركلو” و”مسئسئة” “منغنغة”، موظفاً بنجاح قيام زوجته بتصوير عملية الطهو حيث يباشر حواراً معها من دون أن تظهر للجمهور، ليذكرني بالممثل الكوميدي الأمريكي بوب ساغيت الذي كان يدير حواراً افتراضياً مع زوجته على الكاميرا.
ومن الطهاة الشباب الذين ساروا على منوال الشيف عمر (الشيف علي) الذي يستخدم اللهجة الدمشقية أيضاً ليخاطب الجمهور مكرراً بدوره عبارات كـ” ثيمة” ثابتة مثل دهب دهب ويا عيني على هالمنظر، في حين أن الطباخ (محمود فرنجية) يقدم نفسه بأسلوب معاصر أكثر، ويبتعد عن عبارات وأمثال باب الحارة كما يصفها رواد وسائل التواصل.
ومن الطباخين السوريين الذين لمعت أسماؤهم في السوشيال ميديا يطلع اسم (شام الأصيل) واسمه الحقيقي (ثابت عنيني)، الذي يستمد أغلب وصفاته من المطبخ السوري والشامي تحديداً، ورغم أنه أقل جماهيرية من سابقيه إلّا أنه طوّر عمله بصورة احترافية أكثر، فألف كتاباً وأطلق موقعاً إلكترونياً خاصاً به وتحول إلى ما يشبه علامة تجارية.. ومن الأسماء التي ابتعدت عن أساليب الطهاة الشباب الحماسية لدينا الشيف (فوزي الخطيب) الذي يقتصر على الوصفات الدمشقية، ويقابله من حلب الشيف (عابد السيد) الذي يقدم بصورة مستمرة وصفات اشتهر بها مطبخ الشهباء.
ولم يقتصر غزو الطباخين السوريين على الرجال فلمعت أسماء عديدة لنساء طاهيات بعضهن لا يظهرن على الشاشة، مثل (نور غزال) التي أطلقت صفحة تحمل اسم (أمي قالتلي)، وتستخدم من خلالها السجع كأسلوب مميز لشرح طريقة الوصفة، والشيف رغد التي تختلف عن بقية الطهاة في تجنب أسلوب الحوار المباشر مع الجمهور، وتقدم بدلاً من ذلك تسجيلاً بصوتها لطريقة الطهو، في حين تكاد تكون الشيف (تهامة الضحاك) الطاهي الوحيد المقيم في سورية الذي لمع اسمه عبر السوشيال ميديا، لأن أغلب نظرائها مقيمين خارج البلاد.
ولشدة المنافسة لجأ البعض إلى اختراع أساليب جديدة وتقديم وصفاته بطريقة كوميدية، كما نجدها عند الشيف عيوش بلهجتها الحلبية التي بدورها لا تظهر للجمهور، و(شيف شامي) واسمه الحقيقي عبد الله الحموي.
في نهاية المطاف يبدو أن سيناريو شهرة المطبخ اللبناني تتكرر في سورية، فالحرب الأهلية ألجأت الطهاة اللبنانيين إلى ترك بلادهم والعمل في أقطار عربية وأوروبية فذاع صيت مطبخهم، هذه الحكاية تعاد الآن مع المطبخ السوري ولكن مع إضافة مكون جديد أعطاها زخماً هائلاً، وهي وسائل التواصل الاجتماعي ليصبح الطهاة السوريون نجومها المعاصرين.