كثيراً ما نسمع مصطلح نسخة طبق الأصل لمعاملة قانونية أو مصدقة تخرج أو قرار تعيين أو ورقة طابو أخضر أو شهادة منشأ… بحيث إنها تماثل الأصل مع ختم يؤكد المصداقية، وباتت هناك آلات ناسخة وأجهزة مسح ضوئي “سكانر” باتت قادرة على أن تحقق نسخاً متشابهة من صورة أو مخطوط أو كتاب، بحيث بالإمكان طباعة آلاف منها من دون تمييز الأصل عن المستنسخ، لأنها لم تعد تعتمد على الطباعة بالأبيض والأسود فقط، بل انتقلت إلى مماثلة الألوان وأدق تدرجاتها، لدرجة بات ينطبق عليها المثل الشامي “خنطأ منطأ” بحذافيره، هذا على صعيد الماكينات وخطوط إنتاجها القادرة على تكرار صناعة المنتج ذاته بالمواصفات نفسها، والانحراف المعياري لعدم الشبه قد لا يتجاوز الواحد بالألف، وهذا ما نراه في معامل الأحذية، و(الحفاضات)، وعبوات الشامبو، وعلب المرتديلا، والنسخ الشعبية من الروايات المطبوعة بتقنية الريزو، وغير ذلك الكثير. لكن المستغرب جداً، هو النمط المتكرر من الوجوه، وملامحها، وكأنها خرجت من قالب واحد، بعدما تم تحطيم القوالب الأصل، والأنكى أن بوز البطة، وحَنَكْ الوزّة، وعيون المها، وكراسي خدود الكنغر، وحواجب الشمبانزي،… قد لا تتوافق مع بعضها البعض، مُشكِّلةً مُشكِلةً جمالية “عويصة”، جاعلةً من المثل القائل: (بيخلق من الشبه أربعين)، (دقّة) قديمة، وتم استبداله بـ(بيخلق من الشبه أربعين ألفاً)، خاصةً بعدما تماثلت “العكفة” في مخ كل من المتهافتات والمتهافتين على عيادات التجميل، وباتت أنماط التفكير متطابقة، وتلحق “تريندات” الشَّكل، وموضة الملامح، وفق معايير مستوردة بأغلبها ولا تشبهنا نهائياً، والأخطر أنه لا إمكانية لإعادة ضبط المصنع، في حالات كهذه، بل هو إمعان في تغيير الملامح إلى ما لا نهاية، خاصةً مع دخول التجميل إلى خانة التجارة الرابحة، ولذلك ليس من المستغرب أن تنتفي الجملة الغزلية (الله خلقك وكسر القالب)، بعدما صار معظم الخلق وكأنهم إنتاج القالب ذاته، والشبه يحتلهم من رأسهم إلى أخمص قدميهم.
بديع صنيج
26 المشاركات