موسم “القطن” ضحية جديدة للقرارات المتأخرة.. والنظام التعاقدي حلٌّ بديل في ملعب تقاذف المسؤوليات..؟!

تشرين-رحاب الإبراهيم
لا تبشر كميات القطن المسلمة إلى المحالج حتى الآن بموسم جيد يكفي حاجة معامل الغزل والنسيج والزيوت، وخاصة بعد ما فشل تطبيق نظام التعاقدي الذي طرح كحلٍّ بديل لتشجيع الفلاحين على زراعة القطن المكلفة حالياً مقارنة بمحاصيل أجدى اقتصادياً ترحم الفلاحين من تكاليف إنتاج متزايدة غير قادرين على تحملها وخاصة في ظل عدم تقديم الوزارات المعنية الدعم الكافي أقله تأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار أقل.
“تشرين” تواصلت مع جميع الجهات المعنية بزراعة محصول القطن من أجل معرفة أسباب تراجع المساحات المزروعة هذا العام، وخاصة أن ثقلاً كبيراً ظهر في مؤتمر القطن السابق من أجل تشجيع الفلاحين على الزراعة بغية تأمين احتياجات معامل القطاع العام والخاص والحيلولة دون التوجه إلى الاستيراد، الذي وقع فعلاً رغم كل المحاذير عبر السماح باستيراد بذور القطن وإن كان لمدة محدودة.

كميات قليلة
مدير مكتب القطن الدكتور أحمد الجمعة تحدث بداية في تصريح لـ ” تشرين ” عن واقع موسم القطن الحالي، حيث أشار إلى أنّ الخطة الإنتاجية لعام 2021 / 2022 كانت تقضي زراعة / 57365 / هكتاراً لإنتاج مقدر حوالي / 172/ ألف طن.
وبيّن الدكتور الجمعة أن المساحة المنفذة بشكل فعلي بلغت / 24211 / هكتاراً وفق تقديرات مديريات الزراعة بنسبة تنفيذ 42 %، إذ تشير التقديرات الأولية إلى إنتاج / 66775 / طن قطن محبوب ينتج عنها حوالي / 22 / ألف طن ألياف، وتعدّ هذه الكمية ضمن المعدلات المقبولة لتأمين استقرار واستمرار العملية الإنتاجية في شركات الغزل التابعة لوزارة الصناعة.
ولفت الدكتور الجمعة إلى أن المساحة المخططة وضعت من قبل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بناءً على القدرة الإروائية في المحافظات المنتجة للقطن وحاجة وزارة الصناعة.
وأشار إلى أن معظم الأراضي ضمن الخطة الإنتاجية تقع في المناطق الشرقية (الحسكة – الرقة – دير الزور)، مشيراً إلى أن كمية الأقطان المستلمة في المحالج لغاية 17 / 10 / 2022 بلغت / 2640 / طناً، علماً أنه يتم تجميع إنتاج دير الزور والرقة من القطن في مراكز استلام ومن ثم يتم نقلها إلى محلجة أبي الفداء في حماة بعد تخريب المحالج في المنطقة الشرقية.
وبناء عليه لم ينفِ الدكتور الجمعة أن الكميات المسوقة قليلة لكنه يؤكد أن وتيرتها سوف تزداد خلال الفترة القادمة.

الحق على التسعيرة ..؟!
تراجع كميات الأقطان هذا العام وضع في ملعب تأخر صدور تسعيرة القطن إلى ما بعد موعد زراعته والمحددة بـ4000 ليرة، وهو ما أجمع عليه جميع الجهات المسؤولة عن زراعة القطن وتسويقه، حيث شدد رئيس اتحاد الفلاحين بحلب إبراهيم النايف أن تأخر صدور تسعيرة القطن والتأخر في تقديم البذار وتكاليف الإنتاج الأخرى، تسبب في تفويت موعد زراعة محصول القطن، مشيراً إلى ضرورة معالجة هذا الخلل الكبير في الموسم المقبل عبر إصدار تسعيرة مجزية تغطي تكاليف الإنتاج قبل موعد زراعة المحصول مع المساهمة بتأمين مستلزمات الإنتاج من البذار الجيد تراعي نوعيته حسب كل منطقة، إضافة إلى تأمين المحروقات والأسمدة بأسعار مقبولة، عندها سيقبل الفلاحون على زراعة أراضيهم بمحصول القطن ولن يعزفوا عن الزراعة مادامت تحقق مردودية جيدة تغطي تكاليف إنتاجه.
بينما أرجع مدير زراعة حلب المهندس رضوان حرصوني السبب إلى توجه الفلاحين إلى محاصيل أخرى تحقق لهم مردودية أكبر وخاصة بعد صدور تسعيرة القطن متأخرة بعد زراعة الفلاحين أراضيهم بتلك المحاصيل، كما أن محصول القطن يحتاج يداً عاملة كثيرة ومكلفة غير متوافرة كما السابق.
في حين رأى مدير مكتب القطن أن تسعيرة القطن بـ 4000 ليرة مجزية ووضعت على أساس تكاليف الإنتاج وفق السوق الرائجة ومن شأنها أن تشجع الفلاحين على تسليم الإنتاج، لهذا الموسم وزيادة المساحات المزروعة في الموسم القادم.
وأكد ضرورة إصدار التسعيرة قبل موعد الزراعة لتحقيق الغاية المرجوة منها، مبيناً أن عملية تسعير القطن مستمرة بشكل دائم بحيث توضع قبل بداية الموسم لوضع سعر تأشيري وتتم مراجعتها في بداية القطاف لوضع السعر الرائج بناءً على مستلزمات الإنتاج والظروف المستجدة.

عوامل جمة..؟!
ولا يقف تراجع المساحات المزروعة عند تأخر صدور التسعيرة، حيث ساهمت عوامل أخرى بهذا الأمر منها خفض كميات المياه الواردة في نهر الفرات من الجانب التركي وبشكل مخالف للقوانين والأعراف الدولية وتأخر الفلاحين في زراعة أراضيهم وتأجيل ذلك لحين الانتهاء من حصاد موسم القمح والشعير والبقوليات والظروف المناخية وانخفاض درجات الحرارة في بداية الموسم وارتفاع أجور اليد العاملة وتكاليف الإنتاج بشكل عام.

وبرغم هذا الواقع يرفض مدير مكتب القطن فكرة من يقول عدم التوجه إلى زراعة القطن حالياً لكونه محصولاً مكلفاً وشرهاً للمياه بتأكيده على أهمية زراعة هذا المحصول الاستراتيجي مع مراعاة الظروف الحالية لناحية تكاليف الإنتاج والقدرة الإروائية، إضافة إلى وجود معامل حديثة قادرة على استقطاب الإنتاج وصناعته وتحويله إلى منتج محلي ذي مواصفات جيدة وخاصة أن القطن السوري معروف أنه من أجود الأصناف عالمياً ويحقق قيماً مضافة عالية جداً، مشيراً إلى جهود بحثية مستمرة لتحسين الأصناف السورية على نحو يزيد من مردودية وحدة المساحة وتحمّل الإجهادات الحرارية والمائية.
لكن رئيس اتحاد الفلاحين بحلب إبراهيم النايف يرى أن مشكلة المياه ليست سبباً جوهرياً، فبرأيه لو أمنت مستلزمات الإنتاج حتى لو كان محصول القطن يحتاج إلى المياه أكثر من غيره، سيبادر الفلاحون إلى زراعة أراضيهم وتأمين حاجة المعامل مادامت تحقق لهم مردودية جيدة، بالنهاية الفلاح ينفذ خطة الدولة الموضوعة من قبل وزارة الزراعة.

حماية مردودية القمح
ولفت النايف إلى نقطة غاية في الأهمية عبر ضرورة زراعة القطن لحماية مردودية القمح، الذي إذا زرع لسنوات متواصلة من دون زراعة قطن سيؤدي ذلك إلى تراجع مردوديته، بالتالي لا بدّ من زراعة القطن لتلافي حصول هذا الأمر الخطير، ويضاف إلى ذلك أنه محصول يشغِّل نسبة عالية من اليد العاملة لكونه يشكل حلقة متكاملة تبدأ من زراعة القطن إلى قطافه وصولاً إلى معامل الزيت والنسيج، بالتالي لا بدّ من تدارك خطأ التقصير الحاصل في زراعته هذا العام للمحافظة على القطن السوري المعروف بجودته عالمياً وإيقاف باب الاستيراد وتشغيل معامل الزيت والنسيج.

فشل وتقاذف مسؤوليات ..؟!
طرح النظام التعاقدي في مؤتمر القطن الأربعين كأحد الخيارات المطروحة لتشجيع الفلاحين على زراعة أراضيهم لكنه فشل ولم يبرم أي عقد مع الفلاحين، وهو ما ينفيه مدير مكتب القطن بتأكيده أنه لم يفشل وخاصة أنه كان ضمن فترة تجريبية لتقييمه فهو تجربة جديدة في سورية وتحتاج مراجعة لإجراء بعض التعديلات التي تؤمن نجاحه ومتابعة مستمرة لتنفيذ العقود مع الفلاحين من الجهات المعنية صاحبة المصلحة الأساسية في توفير محصول القطن، حيث كان العقد بين الفلاحين عن طريق الجمعيات الفلاحية أو بشكل إفرادي والمؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان وهو نظام متبع بكثير من الدول، مشيراً إلى أنه سيتم في مؤتمر القطن القادم التباحث بالنظام التعاقدي وإعادة النظر فيه بشكل يخدم مصلحة الفلاحين والدولة، مشيراً إلى أن وزارة الزراعة تقدم البذار الزراعي المحسّن لكل الأصناف المعتمدة والمزروعة في المحافظات مدعوماً مع تقديم كل الاستشارات والإرشادات لزراعة هذا المحصول خلال موسم النمو مع المتابعة المرضية وتقديم الأعداء الحيوية المنتجة في مراكز الوزارة بشكل مجاني إلى كل الحقول المصابة بديدان الجوز وتقديم الري الحكومي بشكل شبه مجاني وكانت ومازالت وستبقى الدولة ملتزمة بدعم المحاصيل الاستراتيجية ومنها محصول القطن.
في حين يضع رئيس اتحاد الفلاحين الحق على المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان في فشل النظام التعاقدي، حيث رأى أنها لم تقدم أي شيء للفلاحين علماً أنها بموجب نظام التعاقدي يقع على عاتقها تقديم مستلزمات الإنتاج مع تقديم مكافأة مالية كميزة لمن يسلم أكبر كمية من الأقطان إلى مراكز التسليم، مشيراً إلى أن فلاحين كثراً أبدوا رغبة في توقيع عقود لتسليم محصولهم وفق النظام التعاقدي بناء على مقررات مؤتمر القطن التي لم تنفذ أي منها.
وهنا نسأله عن دور اتحاد الفلاحين في تفادي ما حصل لموسم القطن الحالي فأكد أن اتحاد الفلاحين يحث الفلاحين على تسويق محصولهم المرخص أو غير المرخص إلى مراكز التسليم، مع المطالبة بصورة مستمرة في المؤتمرات والاجتماعات بدعم الفلاحين وتأمين مستلزمات الإنتاج لتشجيع الفلاحين على الزراعة، لكن في أحيان كثيرة لا يستجاب إلى هذه المطالب بحكم الظروف الراهنة مع إن حلّ معالجة الواقع الاقتصادي يكمن في دعم الزراعة والفلاح.
يشاركه في تحميل مسؤولية فشل النظام التعاقدي للمؤسسة العامة للحلج وتسويق الأقطان مدير زراعة حلب، الذي عدّ أن النظام التعاقدي تجربة سيعاد تفعيلها في الموسم القادم لكن برأيه يفترض بوزارة الصناعة تحمل بعض المسؤولية عند زراعة محصول القطن لكون مخرجاته تصب في خدمة معامل الزيوت والنسيج، حيث يمكنها تقديم الدعم المطلوب كما تفعل مع محصول الشوندر السكري.

إلّا أن مدير عام المؤسسة العامة للحلج وتسويق الأقطان عادل الخطيب قبل إعفائه من منصبه أكد أن المؤسسة لا تمتلك الخبرات والمعلومات الفنية الكافية حول محصول القطن حتى تقدم الاحتياجات اللازمة من البذار ومستلزمات الإنتاج الإضافية، فهذا الأمر لطالما كان على مدار عقود من مسؤولية وزارة الزراعة، علماً أن الفلاح سيبادر إلى زراعة أرضه عند تأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار مقبولة، بالتالي لا يحتاج الأمر إلى نظام تعاقدي أو غيره، لكون ذلك مرهوناً بتقديم مستلزمات الإنتاج للفلاحين مع إصدار تسعيرة مجزية في الوقت المناسب.

وصفة ناجحة
وحتى لا تتكرر أخطاء العام الفائت والتسبب بضياع محصول استراتيجي هام وفتح باب الاستيراد للقطن وبذوره، أكد رئيس اتحاد الفلاحين في حلب على ضرورة إصدار تسعيرة مجزية للقطن قبل موعد زراعة القطن مع تأمين مستلزمات الإنتاج، حيث عدّ ذلك الوصفة الناجحة التي طبقت منذ عقود وحققت نتائج مهمة في زراعة محصول القطن وغيره.
في حين شدد مدير مكتب القطن على ضرورة الالتزام بمقررات مؤتمر القطن وتوصياته التي تنظم هذا المحصول الإستراتيجي، الذي استبشر أنه سيكون في العام القادم أفضل من خلال زيادة المساحات المزروعة وخاصة في مدينتي حلب ودير الزور نظراً للتوسع في مشاريع الري الحكومية وخاصة عند دخول مشروع القطاع السابع في دير الزور المخصص لري المزروعات في الخدمة، مشدداً على أهمية التوجه إلى مشاريع الري الحديث في زراعة محصول القطن وغيره من المحاصيل الزراعية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار