سوراقيون..قصائد عراقية في حبّ سورية

تشرين- سامر الشغري
يحفل الديوان الشعري العراقي المعاصر بحب الشام، ولم يتغنَ شعراء بلاد الرافدين ببلد كما تغنوا بسورية وعاصمتها دمشق، فكانت أميرة قصائدهم وملهمتها وأطلقوا عليها ألقاباً تحكي عما حملوه في صدورهم تجاهها، منها الشام وجلّق وأم العروبة والسؤدد والجليلة وأبجدية الزمان وبستان الدنيا ومدينة الجمال.
ولكن الرابط بين شعراء العراق والشام لم يكن الإلهام فقط، بل إن سورية كما يؤكد الباحث العراقي عبد الرضا الحميد في كتابه (سوراقيون..قصائد عراقية في حبّ سورية)، كانت قبلة الشعراء والأدباء في وطنه، عندما ألجأتهم الظروف والحروب إلى تركه، فاستقبلتهم وتقاسمت معهم رغيفها وظلها وماءها وزيتونها وياسمينها.. ومن قصيدة (دمشق يا جبهة المجد) للشاعر محمد مهدي الجواهري الذي احتضنته الفيحاء في سنواته الأخيرة، يبدأ الحميد عرضه لقصائد عراقية كان حب الشام عنوانها ومضمونها، فشاعر العرب الأكبر اختار لقصيدته التي ناهزت أبياتها السبعين من تفعيلات البحر السريع العذب والسلس، لأنه يناسب أغراض الغزل والاعتذار ذلك أنه كتبها بعد تلبيته دعوات دمشق المتكررة مطلع ثمانينيات القرن الماضي و التي وصلته في منفاه بتشيكيا لزيارتها والإقامة فيها.
القصيدة الثانية كانت للشاعر معروف الرصافي (عندي حديث عن دمشق فأنصتوا)، التي كتبها بُعيد جلاء الاحتلال الفرنسي عن سورية، فاختار لها البحر الكامل الذي يناسب القصائد الحماسية الفخمة، وهو يصف السوريين بأنهم (أسمى الورى وطنيةً وأشدهم صبراً بيوم النضال).. والقصيدة الثالثة للشاعر أحمد الصافي النجفي بعنوان (أتيت جلق)، ومن خلالها نعرف أن هذا الشاعر أقام في دمشق سنوات من عمره عندما كان منفياً في بلاده، فآنسته طيبة أهلها وجمال طبيعتها ما جعله يستغرب كيف يبرح دمشق من أتاها وهل يجد في سواها غنى.؟!
وغير شعراء الموزون العراقيين، يورد الحميد قصيدة لأحد أهم رموز الحداثة مع عبد الوهاب البياتي، الذي قضى بدوره ردحاً طويلاً من عمره في دمشق وتوفي فيها، وأوصى أن يدفن في ضريح محي الدين ابن عربي، لذلك لم يكن غريباً أن يكتب قصيدة حملت عنوان(تحولات محيي الدين ابن عربي في ترجمان الأشواق) وخلالها وصف دمشق بالمدينة الصبية والنبيَّة.. ويفاجئنا الحميد بقصيدة كلاسيكية للشاعر الثوري حاد الطباع مظفر النواب حملت عنوان (باللون الرمادي)، خاطب خلالها هذه المدينة التي استقبلته واحتضنته لتظل مشاعر الغبطة تنتابه كلما عاد إليها، ولأجل ذلك اختار البحر البسيط الذي تتلاءم تفعيلاته مع وصف الأمكنة والوقوف على الديار عادة الأقدمين.
ومن نصوص الشاعر سعدي يوسف التي كتبها في سنواته الأخيرة خلال منفاه بالعاصمة البريطانية “لندن” اختار الحميد قصيدة (تنويع)، التي نسجها على منوال أغنية شعبية عراقية “حنّة على ذهب”، لنتلمس حين قراءتها أن أبياتها كتبت من وحي تأثر يوسف بما طال أرض الشام خلال الحرب، ولكنها بنظره ورغم كل ما حدث ستظل الأميرة.
وسنتوقف أيضاً في الديوان مع قصائد لأمراء الشعر العراقي المعاصر، أمثال عبد الرزاق عبد الواحد وشفيق الكمالي ومحمد الرضا الشبيبي ومحمد مظلوم وغيرهم، ونقرأ قصائد لا تشي عناوينها بشيء كما تشي بحب الشام، كما (يا شام منك ابتدأنا) و(دمشق خاصرة الدنيا) و(معلقة دمشق) و(إلى دمشق التي نحبها) و(دمشق تاريخ يفيض).
ولا شك في أن الكتاب الصادر عن دار العرّاب في دمشق والصحيفة العربية في بغداد ثمرة جهد وبحث طويلين للحميد، ويكفيه أنه استعاد إلى الواجهة الثقافية مصطلح (سوراقيا) الذي يعبّر عن تلك الوحدة الجغرافية والتاريخية التي ربطت الهلال الخصيب بلاد الشام والرافدين منذ غابر التاريخ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار