عزٌّ.. فانٍ.. لا يبقى!
منذ اللحظات الأولى لا يراه أحد والقافلة تسير وترفع صورته كالنعش فوق الأكتاف” فليعش المواطن عمراً مديداً..” أصبح ثرىً..وازداد عدد الأثرياء .. واليوم تعلّم حكمة جديدة..الثروة تاجٌ على رؤوس الأثرياء لا يراها إلّا المرضى والفقراء..
يقول “مواطن” في حسرة وغفلة عن أولي الأمر وأصحاب التواقيع الخضراء..بينما أطفاله نيامٌ، وفي كثير من الليالي جياعٌ.. والبرد يجثم خلف الباب..وبيته يحتاج فوق السقف إلى سقف يقيه من زرابيب المطر.. والنار مطفأة، والأغطية قصيرة.. كل شيء سعره إلى ارتفاع إلّا المواطن التعيس..قاتل الله إبليس..
في كل يوم هو في حال..ديون, وأمراض وهموم…الطبيب يضع يده على جيبه والصيدلي يرتب الأدوية على الرفوف, مات عشرون مريضاً بالأمس.. وارتفع العدد اليوم إلى خمسين بسبب الفقر.. ماتوا ليس بسبب ندرة الدواء لكن بسبب قلة الحيلة.. وفقر الحال .
يجر أذياله ليحضَر ندوة..احتفالات وخطابات وثناءات, شعر وفكر وفخر وكلمات قليلة لرثاء الأموات..وحين يأتي دوره بالكلام يختفي خلف أبيات أبي سلمى “سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم ..”.
كيفما يلتفت يسمع من يهتف باسمه..في غرف الاجتماعات المكيفة ..وتحت القبة المزينة.. في الصباح أو المساء تصدر التشريعات باسمه وتُعلل القرارات لبهجته والكل يلهث لراحته..ورغم كل محاولاته الفاشلة يمر الجميع من أمامه لكن لا يلتفت إليه أحد!.
مرة, أراد أن يكتب إلى صاحب الناموس شكوى..طرق الأبواب..وعاد مثقلاً بهمومه فقد تبين أن اللوم كله عليه وأنه المسؤول عن كل ملفات الفساد..وأنه يسئ إلى السياحة بلباسه الرث غير الأنيق، ويسئ إلى الاقتصاد بإحجامه عن الاستثمار بل أكثر من ذلك هو من يشجع السوق السوداء والتلاعب بالعملات..وزارة التجارة الداخلية اتهمته أيضاً بقلة الاستهلاك، ما يصعب من عمل حماية المستهلك، و”الثقافة” قالت أنه لا يفهم لغة الشعراء، وبالتالي يعطي تفاسير غير واضحة للمفردات، ويجعل الكلمات تتلعثم، و”الصحة” حذّرت من أنه قد يحمل وباءً..
استيقظ في العتمة.. لا جواب يصدم، ولا كلاب تنبح.. إلعن الظلام لن يجدي أن تشعل شمعه…