حسابات الحقل تفرض نفسها فوق كل التخمينات.. تكاليف إنتاج عبوة زيت الزيتون بالآلاف.. والتصدير لن يغير الأسعار
تشرين-يسرى ديب:
الارتفاع غير المسبوق في تكاليف إنتاج زيت الزيتون، يترك آثاره على سعر مبيع ليتر الزيت، ويؤكد منتجون أن هنالك أرقاماً كبيرة يدفعونها هذا العام لقاء كل عبوة زيت يشعر أغلبية المستهلكين بوطأة سعرها، وقدر بعضهم الزيادة عن تكاليف العام الماضي بمقدار الثلث.
وأشاروا إلى أن المستهلكين عموماً يبدون استياءً أكبر من ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية من دون غيرها من السلع التي يرتفع سعرها يومياً بما في ذلك الزيوت النباتية، كأن المنتج الزراعي يعمل في كوكب آخر.
تكاليف ” بالطعشات”
يقول منتجو زيتون لـ”تشرين”: إن تكاليف إنتاج الزيت تتوزع على أكثر من مرحلة، فهي تصل إلى أكثر من 400 ألف ليرة لكل دونم زيتون، وتتوزع بين تكاليف حراثة الدونم التي تصل إلى 80 ألف ليرة، وأجرة عامل التقليم 25 ألف ليرة يومياً، ويصل سعر كيس السماد الواحد إلى 250 ألف ليرة.
أحد المنتجين قدر إنتاجية دونم الزيتون بما يتراوح بين 8-10 “بيدونات” زيت سعة 20 ليتراً في المواسم الجيدة، لكن الشائع مؤخراً تخصيص إنتاج الموسم الجيد لعامين تاليين بعد شيوع ظاهرة المعاومة التي جعلت الإنتاج يتحسن عاماً ويتراجع في العام الذي يليه.
تكاليف الإنتاج
هذه التكاليف كلها لمرحلة ما قبل الإنتاج، وعند الوصول إلى مرحلة الإنتاج تظهر التكاليف الأكبر، حيث تصل أجرة عامل القطاف في اليوم إلى 35 ألف ليرة، أو 5 آلاف ليرة لقاء كل ” تنكة” زيتون يقطفها .
وعندما تكون الأجرة أقل من ذلك يصبح على صاحب حقل الزيتون أن يقدم للعامل الطعام والشراب وأجور المواصلات، لتصبح التكلفة ضمن الحدود السابقة، أو أن يحاصص صاحب الإنتاج على نسبة قد تصل إلى النصف في الأراضي التي يصعب قطافها، وفي الغالب لا تقل النسبة عن ثلث الإنتاج مقابل قطافه.
يقول المنتج إبراهيم أحمد من ريف اللاذقية إنه دفع إيجار عمال لمدة نصف شهر أكثر من مليوني ليرة كمبلغ «كاش» وكانت حصيلة تكلفة الطعام والتوصيل اليومية لا تقل عن هذا المبلغ كثيراً.
وأكد أنه بعد الحرب أصبح أغلب الناس يضطرون للاستعانة بالأيدي العاملة المأجورة بعد تفرق الأبناء، مشيراً إلى أن جاره الذي استعان بعمالة مأجورة مؤخراً من دون رغبة منه ولكن غياب أبنائه الأربعة عن التفرغ لمساعدته في موسم الزيتون لم يترك له خياراً آخر.
تكاليف النقل
هنالك تكاليف أخرى أيضاً منها نقل الزيتون إلى المعاصر حيث لا تقل تكلفة أي نقلة عن 25 ألف ليرة، علماً أن أغالبية المنتجين يضطرون لنقل الزيتون أكثر من مرة منها من الأرض إلى البيت، ومن ثم إلى المعاصر بسبب انتظار الحصول على الدور قد يطول نتيجة الازدحام على المعاصر من جهة، وقلة أعداد المعاصر من جهة أخرى، إذ إن تكاليف إنشاء معصرة حديثة أصبحت تقترب من مليار ليرة، كما قال صاحب معصرة في ريف جبلة هو علي عبد الله، مضيفاً: إنه يتقاضى عن كل «بيدون» زيت سعة 20 ليتراً مبلغاً قدره 15 ألف ليرة سورية أو وربع الليتر من الزيت، مؤكداً ارتفاع تكاليف التشغيل والإصلاح رغم حصولهم من المنتجين على مخلفات العصر مجاناً ( التمز) حيث يباع الطن منه بمبلغ لا يقل عن 600 ألف ليرة، ويمكنهم تصنيع الصابون منه وكذلك فحم الأركيلة.
ومن التكاليف أيضاً ارتفاع أسعار أدوات الإنتاج من عبوات وأكياس وغيرها، حيث وصل سعر «البيدون» الفارغ إلى 11 ألف ليرة، وغالباً ما يضطرون لتجديد هذه العبوات كل عام بسبب استهلاكها الدائم، لأن تأمين العبوات من أهم مشكلات تسويق المنتج كما يقول ياسين أحمد، إذ إن على الشاري أن يحضر معه العبوة، وعندما لا يحصل هذا الأمر فإن علي المزارع تحمل أعباء وتكاليف تأمينها، خاصة عند من يضطر لبيع بعض إنتاجه مع قلة الطلب الناتجة عن تراجع القدرة الشرائية، والحاجة لتأمين مصاريف الحياة.
لم يسعّر بعد!
لم يصل معظم المنتجين إلى رقم نهائي لتكاليف الإنتاج هذا الموسم وكذلك الحال مع وزارة الزراعة، حيث بين مدير الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة أحمد دياب أن التسعيرة النهائية لتكاليف ليتر الزيت لم تنجز بعد، وأن العمل جارٍ على دراسة التكاليف وستعلن قريباً.
ولكن من المتابعات الميدانية تبين تأرجح سعر مبيع الزيت بين منطقة وأخرى من 250-300 ألف ليرة، معتمدين على تسعيرة العام الماضي، ويمكن أن يكون السعر أقل من ذلك في حال تم شراء الزيت من المعاصر، حيث حصل البعض على «بيدون» الزيت من المعاصر بسعر 230-240 ألف ليرة، لكن هنالك من يتجنب الحصول على الزيت من المعاصر لأنه خليط من أنواع مختلفة من الزيتون.
لهذه الأسباب يستاؤون
القدرة الشرائية المتدهورة تسبب مشكلات كبيرة في تسويق أي نوع من الإنتاج، ويمكن ملاحظة حالة الاستياء العامة من ارتفاع أسعار زيت الزيتون أكثر من غيره من المواد التي تتحرك أسعارها كل ساعة، كما يقول منتجون للزيتون.
عضو مجلس إدارة غرفة زراعة دمشق واتحاد الغرف الزراعية د. مجد أيوب يقول لـ”تشرين”: إن حالة الاستياء العامة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية أمر طبيعي جداً نظراً للتطور الكبير والسريع بالأسعار مع غياب الرقابة، وعند التصريح عن الأسعار من وزير التجارة الداخلية عمرو سالم يتم الأمر من دون دراسة الوضع العام سواء للمنتجين أو المستهلكين.
وأضاف أيوب: إن سعر زيت الزيتون كان دائماً أعلى من أسعار الزيوت النباتية الأخرى ولا يزال كذلك، فسعر كيلو غرام الزيت كان في العام الماضي عند الموسم بحدود 14.5 ألف ليرة، في حين لم يكن سعر ليتر الزيت النباتي يتجاوز ألفي ليرة. أما هذا العام فإن الارتفاع الرئيسي هو في أسعار الزيوت النباتية مقارنةً مع واقع السعر المقدر لزيت الزيتون الذي ربما لن يتجاوز 15 ألف ليرة لليتر بسبب وجود إنتاج كبير متوقع من الزيتون، علماً أن موافقة رئاسة مجلس الوزراء على تصدير الزيت لها دور إيجابي في رفع سعر الزيت لهذا العام في حين كنا نتوقع تراجعه عن سعر العام الماضي.
وأضاف أيوب: إن الأسباب الرئيسة لارتفاع أسعار زيت الزيتون إضافة لغياب رقابة الدولة بشكل رئيسهي ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي من أدوية وأسمدة ومحروقات لازمة للري وكهرباء، وكذلك ارتفاع أجور العمليات الزراعية سواء الآلية أم اليدوية وارتفاع أجور النقل والأتاوات المدفوعة على الطرقات، أو عند الدخول والخروج من أسواق الجملة.
قرار قديم
ومن القرارات التي أثارت الكثير من الجدل كان سماح الحكومة بتصدير 45 ألف طن زيت فائض عن الحاجة، واعتبروا أن هذا القرار ساهم في رفع سعر الزيت، والحقيقة أن القرار ليس جديداً، وقد سمح بتصدير 5 آلاف طن في العام الماضي ومن ثم تم تجديد القرار ثانية بسبب قلة الكميات التي صُدرت.. وكل ما حصل هذا الموسم أن الحكومة أعلنت فقط عن الكميات الفائضة حسب تقديرات وزارة الزراعة.
مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة عبير جوهر قالت لـ«تشرين»: إن الجديد في قرار تصدير الزيت هذا العام هو زيادة حجم العبوات من 8 إلى 16 ليتراً، حيث ارتفع حجم العبوة من 5 إلى 8 ثم 16 ليتراً.
وأشارت جوهر إلى أن موضوع تأثير التصدير على الأسعار المحلية لا يعالج بمنع التصدير لأنه لا توجد دولة في العالم لا تصدّر الفائض عن حاجتها، وهذا يعود بالفائدة على مزارعي الزيتون والاقتصاد بشكل عام، ولكن المشكلة في انخفاض القدرة الشرائية.
وأكدت جوهر أن التصدير لن يرفع أسعار الزيت محلياً، لأن السعر المحلي مرتفع أصلاً وقريب من السعر العالمي، حيث يصل سعر ليتر الزيت ” الإكسترا” عالمياً إلى 3.6 يورو، أي ما يعادل نحو 11 ألف ليرة حسب السعر المركزي لليورو.