“إيميسا” رواية خالية من الإقناع مدعمة بهشاشة المكان!
تشرين – نضال بشارة:
لا يمكن للقارئ الذي ظل طوال فترة الحرب في مدينة حمص أن يتابع قراءة رواية “أميسا” للكاتبة هلا أحمد علي، الصادرة عن دار التكوين في دمشق، إلّا على مضض، بسبب ما يلحظه من أخطاء ارتكبتها الكاتبة “هلا” في بداية روايتها، التي تنمّ عن عدم معرفة بالفضاء المكاني الذي اختارته ككاتبة تعيش في دمشق، لشخصيات وأحداث روايتها، لتكتب رواية عن الحرب.. ففي الصفحة (27) وفق ما تذكره الكاتبة عن حركة شخصية (أم ماهر) وابنتها (سماح) وهما تتوجهان نحو كراج دمشق لأجل سفر سماح، تذكر الكاتبة؛ أنهما رغبتا نظراً لوجود متسع من الوقت في المشي إلى (ساحة الساعة)، ومن خلال الوصف نعرف أن المقصود هي الساعة الجديدة، لكنّ وصف الكاتبة للأبنية الموجودة على طول الطريق، أنها أبنية متهدمة بفعل الصواريخ والقذائف، مع إشارة لزمن الحدث وحركة الشخصيات، وفق ثُبُتْ الكاتبة (شتاء 2012)، يجعلنا نثق بأن الكاتبة لم تزر حمص قبل الحرب ولا في أي يوم آخر، فالمنطقة الوحيدة وفق الوصف التي أبنيتها مهدمة في المنطقة المحددة، لم تهدم إلّا بعد التاريخ الذي ذكرته الكاتبة بكثير، من دون الإمكانية لتحديده بالضبط، لكن الثابت أن تلك المنطقة وحمص برمتها حتى 22 شباط 2012 لم يكن قد اسُتخدم فيها سوى الأسلحة الفردية التي نيرانها لا تهدم بلوكة واحدة، ففي التاريخ المشار إليه آنفاً بدئ استخدام الأسلحة الثقيلة في منطقة أخرى بعيدة عن وسط حمص، وهي في أحداث (بابا عمرو)، ما خلا ذلك استخدمت طلقة “آر بي جي” واحدة في غرب حي وادي السايح ضد عربة نقل جنود (ب.م.ب)، فمن أين أتت لنا الكاتبة بهذا الدمار الذي أصاب تلك المنطقة، وهي ما يُعرف في حمص بـ (طريق حماة) الممتد من ساحة الساحة العتيقة نحو الشمال باتجاه مدينة حماة، أما بقية المسارات المؤدية لساحة الساعة المقصودة لا دمار فيها، كما وصفت الكاتبة، إذ إن الشوارع الأساسية لتلك المنطقة كانت تحت سلطة الجيش السوري! ناهيك بأنه في الزمن المحدد من الكاتبة كان من المستحيل التحرك في المنطقة التي أشارت إليها، لسطوة نيران القنص عليها، كما كانت حمص قاب قوسين من انقسامها إلى قسم تحت سلطة الدولة والآخر بيد الجماعات المسلحة الإر*ها*بية.
ساعة كرجية
ثم تستمر الكاتبة في كشف عدم معرفتها بحمص، فذكرت أن ساعة حمص الشهيرة قد تعرضت للتخريب كثيراً وأصابها الكثير من تغيّر ملامحها وتهدم قواعدها. وهذا فيه مبالغة كثيراً ، فالناظر إليها ورغم إعادة تأهيلها لن يلحظ أي ترميم في الجسد المعماري للساعة. والأهم أنها لم تذكر في ضوء ولع شخصية سماح بها، أنها تُعرف أيضاً بساعة ” كرجية حداد” نسبة للمحسنة السورية المغتربة التي تبرعت بتشييدها، وهذا مثبت على بناء الساعة مع منحوتة تجسّد وجهها، وسنة تشييدها 1962 رغم أن بعض الرجال الأحياء يقولون إنها لم تنطلق لتقديم الوقت من أوجهها الأربعة إلّا في عام 1964، إذاً ما الذي زاره في هذه الساعة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كما ذكرت الكاتبة والانفصال حدث بين سورية ومصر عام 1961 ؟! رغم عدم إنكارنا لزيارته حمص ولأكثر من مدينة سورية عام 1960. وقد يقول قارئ وهل يفترض أن تذكر تلك المعلومات نردّ بالقول: جاء في صفحة 37 ذِكْرٌ لقلعة الحصن فأشارت الكاتبة إلى أنها تبعد (60 كم) عن حمص، وهي معلومة لا قيمة لها، كما أشارت في هامش الصفحة 65 تعرّفنا كقرّاء بمشروب المتة! مع إن المتة وفق قول الأصدقاء الذين اغتربوا في كل جهات الأرض بسبب هذه الحرب، متوافرة في كل بقاعها، فالأولى بالكاتبة أن تستوفي معلومات عن ساعة حمص، حتى يصلنا ولع شخصيتها سماح بالساعة، وأن تدقق أكثر بزيارة عبد الناصر لها إن حدثت.
عدم دقة
تستغرق الكاتبة في توثيق أحداث روايتها في حمص زمنياً في كل باب من أبواب أو فصول روايتها، لكنها ذكرت أحداثاً وتفجيرات غير صحيحة. فبعد 23 أيار 2017 لم تنفجر في حمص سيارة مفخخة، فمن أين أتت لنا الكاتبة بانفجار سيارتين مفخختين في عام 2018 فربما خلطت بين آخر قذيفة صاروخية سقطت في حي الزهراء في آب 2018 وبين انفجار سيارة مفخخة. فالوصف الذي قدمته في ص 321 شتاء 2018 (…كان من الصعب تمييز صوت فرّامة اللحمة من صوت البلدوزرات التي تزيح بالخارج آثار الأبنية المدمرة بفعل التفجير الأخير في الحي الخلفي الموازي تماماً لحي أم حياة….) تلك الجملة تعني حتماً أنها تقصد آثار انفجار سيارة مفخخة لا عبوة ناسفة في سيارة، والفرق بين أضرارهما شاسع جداً. كما أنها أشارت في ص 346 ربيع 2018 إلى انفجار سيارة أخرى، وإلى إصابة شخصية “جوان” بفقدان وعي، رغم بعده النسبي عن الانفجار! ونقول إننا رغم معاينتنا لمواقع كثيرة حدث فيها انفجار سيارات مفخخة، بعد انفجارها، بأمتار لا تتعدى ٢٠٠ م لكننا لم نشهد إصابة أحد بفقدان الوعي، وحده الزجاج المغلق فقط، لنوافذ المنازل والسيارات والمحلات، كان يتعرض للكسر على بعد أكثر من كيلومتر.
فمن أين اخترعت الكاتبة ذلك التأثير؟!
أخطاء متفرقة
وما يفقد الرواية أيضاً قدرتها على إقناع القارئ، وجود أربع شخصيات أساسية من شخصياتها، ممن يؤدون الخدمة الإلزامية في الجيش السوري، إلّا أن الكاتبة، ومن حوار هذه الشخصيات وحركتها، تُعرب عن عدم معرفتها بحال البلد، فكأنها لم تكن تتابع أي الوسائل الإعلامية! إذ رددت الشخصيات كثيراً في حواراتها أخباراً عن إجازاتها أو عدم موافقة الضابط المسؤول عنها بمنحهم إجازات في بعض الأوقات، وكأني بالكاتبة لم تعلم أن الإجازات كانت معدومة لكل من يؤدي الخدمة الإلزامية، ولطالما سمعنا تصريحات الكثيرين منهم على شاشات الفضائيات السورية يعبّرون عن أشواقهم لذويهم ومنازلهم وبلداتهم ومدنهم، لأسباب عدة في مطلعها عدم حصولهم على تلك الإجازات، وإن حصل بعض الذين يؤدون الخدمة على إجازاتٍ، فهي استثناءات قليلة، حتى بين أوساط المتطوعين كانت الإجازات للمتزوجين أولاً، وخاصة في السنوات الأولى للحرب، وليس كما جاء في الرواية! فعدم معرفة الكاتبة بهذا التفصيل الأساسي من حياة الشخصيات العسكرية يجعلنا لا نقتنع بكل ما ورد بخصوصهم، وتالياً بكل ما يتعلق بهم من أحداث مع بقية الشخصيات!
فالكتابة عن الحرب في فضاء مكاني معلوم وبهذا التوثيق الزماني يفترض الالتزام بما حدث لا اختراع أحداث بشكل عشوائي، فالذين شهدوا الحرب لا يزالون أحياء..
أخيراً، في فصول الرواية، أخطاء وعثرات أخرى متفرقة.