تأرجح بين مرارة الواقع وحلاوة الشوندر السكري..خطوط الإنتاج المهترئة تفسد الثقة بين الفلاح وأطراف الإنتاج
تشرين – أيمن فلحوط :
أطراف ثلاثة معنية بزراعة محصول الشوندر السكري الاستراتيجي كانت على منصة حوار «تشرين» للوقوف على الجوانب المتعلقة بزراعته، وتسويق المنتج، والصعوبات ومراحل العمل المختلفة، والسبل لتجاوز العقبات، مثلها معاون وزير الزراعة الدكتور فايز مقداد، ومدير عام مؤسسة السكر سعد الدين العلي، واتحاد الفلاحين ممثلاً بعضو المكتب التنفيذي محمد الخليف.
تخفيض المساحات
البداية كانت مع الدكتور مقداد الذي بين كيف كانت توجهات الحكومة في تخفيض المساحات المزروعة بالشوندر السكري حتى قبل الحرب على بلدنا، مشيراً إلى أن المحصول مستهلك للمياه بشكل كبير، ويحتاج عدة ريات وكميات كبيرة من المياه، وتعاني سورية من تغيرات مناخية واستنزاف جائر للموارد المائية، فأصبحت في وضع يحتاج ترشيد استخدام المياه، وخاصة مياه الري في ري المزروعات، إلى حد الاكتفاء بحاجة المعامل.
ومع خروج معامل السكر عن الخدمة من جراء الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها نتيجة الحرب على سورية، توقفت زراعة الشوندر لسنوات، وبجهود كبيرة من وزارة الصناعة أعيد تأهيل معمل تل سلحب، وتمت إعادة زراعة الشوندر السكري للخطة الزراعية بمساحات صغيرة في الموسم السابق، لأن الكثير من المزارعين كانوا يخشون من عدم استلام المعمل لمحصولهم.
آلية العمل
وبتفصيل أدق لآلية العمل في زراعة المحصول يضيف معاون وزير الزراعة: يتم فتح باب التعاقد من معمل تل سلحب للسكر مع المزارعين بوقت مبكر في بداية العام، لكي يتمكن الراغبون بزراعة المحصول من إجراء العقود مع وزارة الصناعة، ولمعرفة المساحات التي سيزرعونها، وبعد اكتمال هذه العقود تقوم «الصناعة» بموافاة «الزراعة» بالمساحات المتعاقد عليها، لنقوم كوزارة بتقدير كميات البذار من الشوندر السكري، التي يجب استيرادها لمصلحة المزارعين ووزارة الصناعة، وتكلف مؤسسة إكثار البذار بعمليات الاستيراد الكافية لزراعة المساحات، إضافة إلى هامش إضافي للاحتياط، لترميم المساحات التي تحتاج زراعة إضافية.. وبعد الزراعة واستكمال الإنتاج، يتم قلع الشوندر السكري بناء على بطاقات التوريد التي تمنح من معمل السكر. وعادة حين يصبح المحصول جاهزاً للقلع، يتم أخذ عينات من الحقول لمعرفة نضوجها وقياس درجة الحلاوة، فيعلن عن بدء موسم القلع وتسليمه تباعاً، ويحتاج المحصول فترة فطام حوالي 15 يوماً قبل القلع.
تحليل نسبة الحلاوة
وبين مدير عام مؤسسة السكر سعد الدين العلي طريقة تحليل نسبة الحلاوة من خلال تشكيل لجنة مشتركة للإشراف على عملية التحليل، تضم ممثلين عن مديريات الزراعة واتحاد الفلاحين وحزب البعث العربي الاشتراكي موجودة في الشركة على مدار الساعة، ويتم التحليل بأخذ «باركود» لكل عينة شوندر داخل المعمل، بحيث لا يعرف من خلاله اسم المزارع، وذلك عن طريق أجهزة خاصة في المخبر المختص الموجود في الشركة .
بطاقات التوريد للمعمل
توزع بطاقات التوريد، كما يشير الدكتور مقداد، من خلال معمل تل سلحب حسب طاقته الإنتاجية اليومية، عن طريق هيئة تطوير الغاب، واتحاد الفلاحين وغيرهما من الشركاء، وكل مزارع يستلم بطاقة التوريد بإمكانه نقل محصوله من الأرض، وتسليمه لمعمل السكر.
كلام توافق مع رأي العلي في الحديث عن التوريد من حيث توزيع البطاقات، مضيفاً: إن الوحدات الإرشادية هي الأقرب لمعرفة واقع الزراعة، من حيث الأضرار ومواعيد الزراعة، ويكون عدد بطاقات التوريد الموزعة متوافقاً مع الطاقة اليومية .
أما استطاعة المعمل اليومية تجاه التوريدات بعد الإقلاع، فتحددها الكميات الموردة إلى المعمل، وعدد بطاقات التوريد الموزعة، والمرتبطة بواقع التصنيع في المعمل وقدرة المزارعين على توريد الكمية اليومية، وتراوح بين 200 و250 طن شوندر.
عام إعادة الثقة
يرى معاون وزير الزراعة أن العام الفائت حين أقلع المعمل بشكل جيد، كان بمنزلة عام لإعادة الثقة بين المزارع ووزارتي الزراعة والصناعة، لإمكانية إعادة زراعة المحصول فهو من المحاصيل المربحة للمزارعين، لأن المزارع كان متخوفاً جداً من عدم استلام محصوله، لكنه بعد رؤيته لتسلم المحصول تبدد خوفه.
المساحات المخططة
وأوضح المقداد أنه في إطار المساحات المخططة للزراعة كان المخطط زراعة 4500 هكتار، بينما ما تمت زراعته حوالي 3800 هكتار من هذه المساحة لأسباب متعددة، وخاصة الظروف المناخية التي لم تنمُ فيها النباتات، فبقيت المساحات الفعلية السليمة 1800 هكتار، وكان النمو فيها طبيعياً، ويتوقع أن يصل الإنتاج إلى 100 ألف طن، وهي كافية للتشغيل التجريبي لمعمل سكر تل سلحب، الذي كان أول عام في انطلاقته.
وكانت الكميات المقدرة لاستجرار الشوندر لمصلحة المعمل، حسب المدير العام لمؤسسة السكر، وفق المساحات المزروعة، قد بلغت لموسم 2021-2022 ما مقداره 263 ألف طن شوندر قائم، وانخفضت بعد إحجام عدد من المزارعين عن استلام كميات البذار المخصصة لهم وأضرار موجتي الصقيع التي أصابت المنطقة.
اجتماعات متعددة
بعد عدة اجتماعات مع وزارة الصناعة والمؤسسة العامة للسكر وإدارة معمل تل سلحب، تم التأكيد، وفقاً للدكتور مقداد، على أن المعمل يحتاج 3000 طن يومياً، ليكون تشغيله اقتصادياً، لكنه في أول سنة يعمل فيها لم يصل لتلك الكميات، وما يعدل التكاليف لدى المعمل تصنيع المواد الإضافية المولاس والخميرة والكحول.
وهو ما يتشارك فعلياً مع حديث العلي لـ«تشرين» عن الطاقة الإنتاجية اليومية 3000 طن شوندر قائم باليوم، والطاقة الكلية هي إجمالي كميات الشوندر الموردة إلى المعمل والناتجة عن المساحات المزروعة من الفلاحين حيث بلغت كمية الشوندر القائم 59 ألف طن لعام 2022.
وكانت طاقة المعمل أقل من الإنتاج عند الفلاحين، فالمعمل حين كان يطلب مثلاً ألف طن باليوم، كان لدى المزارعين الإمكانية لتسليم 2000 وحتى 3000 طن يومياً، وتالياً لم يصل إلى هذا الرقم، وفقاً لما صرح به، بسبب مشكلات تشغيلية واجهت المعمل.
استيراد كميات إضافية من البذار
وأشار المقداد إلى سعي وزارة الزراعة لاستيراد كميات إضافية من بذار الشوندر السكري، علماً أنه تم توزيع البذار على الإخوة المزارعين في العام الماضي، وكان هناك فائض مقداره 1400 كيلو غرام، ويفترض زراعة مساحات أكبر، ولكن الإخوة المزارعين لم يتعاقدوا على تلك المساحات، وهذه الكمية الفائضة كافية لزراعة 1400 هكتار. علماً أن وزارة الصناعة فتحت التعاقد مع المزارعين مع بداية شهر شباط الماضي، والمفروض أن ينتهي خلال شهر 4 أو بداية 5 أقصى ما يمكن، لكي تتمكن من موافاتنا بكميات البذار المطلوبة، من أجل تأمينها من مؤسسة إكثار البذار، لتقوم باستجرار الكميات، وتستوردها قبل بدء الموسم الزراعي.
إعادة اختبار البذور الفائضة
ويتابع المقداد: لكن ما حصل أنه لم يتم التعاقد على هذه الكمية، ولم نكن بحاجة لكميات بذور إضافية، خاصة أن هذه البذور تتمتع بإعادة اختبارها، والتأكد من صلاحيتها 100% للزراعة، ونسبة الإنبات فيها عالية جداً، وهذا طبيعي لبذور الشوندر السكري، فهي قادرة على أن تظل سنتين و3 ضمن الحيوية نفسها.
فتح التعاقد من جديد
ولكي نضمن توزيع كامل كمية البذار الموجودة والتعاقد على مساحة 1400 هكتار، فتحت وزارة الصناعة باب التعاقد مجدداً، حتى وقت متأخر من الشهر الثامن هذا العام.
وبعد قلع المحصول وتسليمه شعر المزارعون بإعادة الثقة بزراعة المحصول فبدأت عمليات التعاقد، وتجاوزت المساحة لتصل 1750 هكتاراً تقريباً، علماً أنه كان لدينا اتفاق مع وزارة الصناعة ألا يتجاوز التعاقد 1450 هكتاراً، وهي ضمن المساحات التي يمكن توفير البذار لها من الكميات المتوافرة عندنا، وهذا يتطلب منا استيراد كميات إضافية من البذار، ونتيجة للعلاقات الجيدة لوزارة الزراعة ومؤسسة إكثار البذار مع الشركات التي يتم استيراد البذار منها دولياً، تسعى الوزارة لاستيراد ما بين 2-3 أطنان إضافية من البذار لتغطية احتياجات التعاقد الإضافية التي تمت، وتأمين احتياطي في حال زادت المساحات خلال الموسم القادم.
الصعوبات والمعوقات للمعمل
يوجز العلي الصعوبات التي يمر فيها المعمل بقلة الأيدي العاملة في الشركة، وتسرب الخبرات الفنية خلال السنوات السابقة / تقاعد /، وأن الشوندر المورد إلى المعمل في معظمه مخالف للمواصفات الفنية من حيث التصريم ودرجة الحلاوة، ووجود أوراق وأتربة بشكل كبير ما يعوق عملية التصنيع، وعدم كفاية كميات الشوندر للتشغيل الاقتصادي للمعمل، كما أنه بحاجة للكثير من أعمال الصيانة والاستبدالات في بعض أقسامه، نتيجة التوقف لمدة سبع سنوات عن العمل، ولم يتم إجراء بعض المشروعات بسبب الحصار الجائر، وعدم القدرة على توريد بعض التجهيزات والآلات والقطع التبديلية .
لم يتسلموا البذار
عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين محمد الخليف رئيس مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد تحدث لـ«تشرين» بلسان الفلاحين، بعد تواصله أمامنا مع رئيس اتحاد فلاحي حماة، مشيراً إلى عدم تسلم الفلاحين للبذار من المصارف الزراعية حتى تاريخه، مع إن الموسم الزراعي يفترض أن يبدأ هذه الأيام في الزراعة، وهو ما ينعكس سلباً على عملية الإنبات وتأخيرها.
وأضاف الخليف: يعاني المزارعون من أجور النقل المرتفعة التي شكلت عبئاً عليهم، مطالباً بإعادة النظر فيها، وأن يكون الشحن مباشرة من موقع الإنتاج إلى المعمل وعلى حسابه تشجيعاً للفلاحين، من أجل التوسع في زراعة المحصول.. أيضاً تأمين المحروقات اللازمة في أوقاتها المناسبة ضماناً لإنتاج وفير، ورفع السعر الخاص بالمنتج بما يتناسب مع تكاليف الإنتاج المرتفعة، ولتحقيق ربح معقول للفلاحين، والإقبال على زراعة المحصول، والسماد.
وتمنى الخليف توحيد جهات الإشراف على المحصول ما بين (الزراعة) و(الصناعة)، بحيث يكون الإشراف من جهة واحدة، تسهيلاً لعمل الإخوة الفلاحين.