خسائر البيدر تسبق أرباح الحقل.. حسابات «المغامرة» تطرق أبواب الموسم الزراعي الجديد وتضعه في خانة «مجهول المصير»!
تشرين – عمار الصبح:
لاتزال الظروف التي سادت الموسم الزراعي الماضي، وما رافقه من موجة جفاف وارتفاع في التكاليف ونقص في مستلزمات الإنتاج، ماثلة في أذهان كثير من فلاحي محافظة درعا، ممن تجرعوا مرارة خسائر ألقت بظلالها على أجواء الموسم الزراعي القادم، الذي بدأ الحديث عن قرب قدومه، ويشغل البال ويثير هواجس الكثيرين ممن باتوا يفكرون ملياً في جدوى الزراعة، واصفين إياها بالمغامرة التي قد لا تحمد عقباها.
فلاحو المحافظة استبقوا قدوم الموسم الجديد بالحديث عن مرارة ذكرياتهم مع المواسم الزراعية السابقة، وما تكبدوه من خسائر أثقلت الكاهل في ظل نقص بالدعم المقدم من الجهات المعنية وغياب التعويض، الذي إن قُدم، فإنه لم يكن يسمن ولا يغنِي من جوع.
أحد مزارعي القمح قال في حديثه لـ«تشرين»: «في الموسم الماضي زرعت ما يقارب الـ 50 دونماً بالقمح البعل بتكاليف بلغت 3.5 ملايين ليرة تقريباً، لكن نتيجة قلة الهاطل المطري والظروف الجوية التي سادت، خرج المحصول عن الإنتاج، ما اضطرني لتضمين المحصول للرعي بقيمة لم تتجاوز 700 ألف ليرة، وبخسائر تجاوزت 2.8 مليون ليرة».
ويراجع الفلاح حساباته هذا الموسم خشية من أن يُمنى بالخسارة مجدداً، فالتفكير بالخسائر المحتملة بات، حسب قوله، يسبق تفكيره بأرباح صارت رهينة الظروف الجوية، خصوصاً مع عدم وجود الملاءة المادية لديه لتحويل محصوله إلى المروي، أو لتحمل خسارة محصوله فيما لو كانت الظروف الجوية غير مؤاتية.
بدوره أشار فلاح آخر إلى أن تكاليف الزراعة لم تعد بالأمر السهل، ولا عادت هينة حتى يتحمل الفلاحون خسارتها، فأول مطبات الموسم يتمثل، على حد قوله، بأجور الحراثة، التي من المتوقع أن ترتفع هذا الموسم إلى 25 ألف ليرة عن كل دونم، (مقابل 15 ألفاً في الموسم الماضي)، وإذا أراد الفلاح حراثة الأرض وتقليبها قبل الزراعة، فهذا يعني تضاعف أجرة الحراثة ووصولها إلى 50 ألف ليرة عن كل دونم، لافتاً إلى أن العقبة الأهم تتمثل بثمن البذار الذي قد يتجاوز 2500 ليرة للكيلو، علماً أن دونم القمح البعل مثلاً يحتاج إلى 15 كغ من البذار في الحدود الدنيا، فيما يحتاج المروي إلى 20 كغ.
وأوضح الفلاح أن ما سبق من تكاليف يضاف إليها بطبيعة الحال أجور النقل وأجور العمال، لتصل فاتورة تكاليف زراعة الدونم الواحد إلى ما يزيد على 125 ألفاً، وهي -حسب رأيه- فاتورة مبدئية تضاف إليها في مراحل لاحقة تكاليف الأسمدة والمحروقات اللازمة للري، مبيناً أن هذه التكاليف قد تشكل دافعاً لدى الكثيرين للعزوف عن زراعة أرضهم، والخروج من دائرة الإنتاج.
وفي ظل معطيات الوضع المائي في المحافظة الذي يشهد تراجعاً في مستوى المياه الجوفية والسطحية، تشير التقديرات إلى خروج مساحات ليست بالهينة من دائرة المروي وانضمامها إلى المزروعة بعلاً، خصوصاً أن مديرية الزراعة في درعا لحظت في خطتها الجديدة موضوع تخفيض مساحة بعض المحاصيل والخضار ذات الاحتياج المائي الكبير بهدف توفير استهلاك المحروقات والأسمدة.
وتتضمن الخطة الزراعية، التي وضعتها المديرية للموسم الجديد، حسب تأكيد رئيس دائرة التخطيط في المديرية المهندس حسن الأحمد، زراعة 93387 هكتاراً بالقمح، منها 10500 هكتار لزراعة القمح المروي ونحو 82 ألف هكتار بالقمح البعل، بينما بلغت خطة زراعة الشعير 32400 هكتار والبطاطا الربيعية 3100 هكتار والبقوليات 23200 هكتار والمحاصيل العلفية الشتوية 7700 هكتار.
ويبقى التأكيد على ما أشار إليه كثير من الفلاحين من أن الخطة الزراعية وتوزيع المساحات على المحاصيل فيها، ليست إلا مجرد تفاصيل وأرقام على الورق، والأهم منها – حسب قولهم- توفير المقومات اللازمة لهذه الخطة وفي مقدمتها العمل على تلافي المعوقات التي واجهت العملية الزراعية في المواسم السابقة كتأمين كميات كافية من البذار المضمون وتوفير المازوت والأسمدة وغيرهما من مستلزمات الإنتاج.