نصوص «الأدب بوست».. طويلة لتغطية الموضوع وقصيرة لإثارة الاهتمام
تشرين- علي الرّاعي:
اليوم، وبعد مضي – ربما- عقدين على ظهور الميديا الجديدة، أو ما عرف بـ(السوشيال ميديا)، والتي تمّ تعريبها بـ(وسائل التواصل الاجتماعي)؛ أمسى باستطاعتنا؛ أن نتحدث وبكل اطئمنان عن أشكال أدبية كانت وسائل هذه الميديا الجديدة حاملها، فرضت عليها تكثيفاً معيناً يمكن أن نطلق عليه (أدب الفيس بوك) على وجه التحديد، بمعنى؛ أخذ اسمه من الحامل لهذه النصوص.. والذي يمتاز بحرفية الاختزال والاقتصاد في السرد، لدرجة الاختزال بـ(أدب بوست)، والأخيرة التي تعني المنشور القصير على الفيسبوك.. والذي يتجلى بدقة المعنى ورهافة التعبير، وحساسية المعاصرة وتنوع الموضوعات.. طبعاً هنا نتحدث عن نوع من (البوستات) التي هي أدباً صرفاً، وليس أي منشورات أخرى، وما أكثرها.. أدب ميزته أنه يمزج في شكله بين مختلف الأجناس الأدبية، وهو ما يمكن قراءته تحت عنوان (الأدب الوجيز)، وذلك لأنّ الأخير أشمل من الأول لتعدد حوامله، وتنوع أجناسه.. أدب هو على شاكلة ما نصحت به سيدة الغناء العربي فيروز في إحدى أغانيها: “يا مختار المخاتير بحكيلك لحكاية.. أنا ما بحب الشرح كتير أنا ما عندي رواية).. ذلك لأن الزمن برأي صديقنا الشاعر محمد عُضيمة المُغترب في طوكيو – اليابان: “إنه زمن الشعر البسيط بامتياز، زمن الهايكو والمقطوعات، التغريدات الخاطفة، زمن القولة الضاحكة..” فيما الرواية يجدها تصعد بعيداً إلى الرفوف والغبار..
رفوف الغبار
لنعترف؛ إن هذه الميديا الجديدة، ورغم كل ما يُقال عنها، فتحت المنابر على اتساعها لأيًّ كان لأن يقول ما عنده، يتراوح ذلك القول بين من أجمل الشعر، وأعمق التحليلات، وأبهى اللوحات والصور، وحتى الهراء… وهو ما أطاحت به القنوات الجديدة كلَّ «الاحتكارات» وعرض «بضائع» من دون غيرها التي كانت تفرضها وسائل الإعلام ومؤسسات الثقافة التقليدية على الناس بلا هوادة، وهو ما كان يبرز – في كثير من الأحيان- أنصاف المواهب، وحتى أرباعها، وغالباً حتى الذين لا يملكون الموهبة أصلاً، في المقابل كانت تبقى عشرات المواهب مخذولة ومُحبطة في الظل، وقد قطعت الرجاء نهائياً من أن يُفتح لها منبرٌ شرفاته.
لكن ورغم كل هذه الحرية على هذا الفضاء الأزرق، وكل «الديمقراطية» المُتاحة، والخيارات المفتوحة للنشر – صفحة شخصية، مجموعات، مواقع الكترونية على تنوعها – يبقى الحنين إلى الورقي حاراً في الكثير من الأحيان. حتى ليبدو أن هذا «الاستفتاء» الذي تمّ إجراؤه على النص عفوياً ومن دون عمد من قبل صاحبه، وأحياناً يبدو عمداً، وهو من السهولة بمكان إجراؤه؛ يبدو باعثاً لإعادة جمع تلك النصوص الإلكترونية في كتابٍ ورقي… وكان الظن، بل وحتى ما توصل إليه الفرحون بإلغاء ما مضى أن الورقي انتهى أو هو قاب قوسين من النهاية وقد وصل إلى خواتيمه، غير إن الإجماع على النصوص الإكترونية، يدفع صاحبها لإصدارها ورقياً، وهذا حصل عند غير كاتب، وهنا ثمة تماهٍ بين وسائل النشر التقليدية والإلكترونية، وثمة اليوم الكثير من الإحصاءات في عدد من الدول المتحضرة تشير إلى تنامي ظاهرة النشر الورقي متساوقاً مع الإلكتروني…
تحالف وسائل النشر
صحيح أنّ الكثير من الصحف الورقية اليوم؛ تعلن كل حين عن إلغاء نسختها الورقية، والاكتفاء بنسختها الإلكترونية، وهي بكلِّ تأكيد لها أسبابها الموجبة في ذلك…غير أن هذا الأمر يبدو أنه لا ينطبق فيما يخص الكتاب، الذي يشهد اليوم- ورغم كل حالات الحصار والحرب على سورية- حركة لافتة سواء في دور النشر الخاصة أم العامة، ولعلّ أكثرها إدهاشاً جمع النصوص التي كانت نُشرت إلكترونياً في كتاب، ولأسباب ذلك قد نُفصلها ببقية قد تأتي لاحقاً.. غير أن المُدهش اليوم حتى في النشر الورقي تنامي ظاهرة (الأدب الوجيز)، وقُصارى القول حتى على الورق، بما يُماثل أو يُعادل (أدب بوست)، ولاسيما أن الكثيرين اليوم يرون أنّ الخطاب الجيد، يجب أن يكون مثل “تنورة المرأة”: “طويلة بما فيه الكفاية لتغطية الموضوع، وقصيرة بما فيه الكفاية لإثارة الاهتمام.”
وللحيث عن المُعادل النقدي لهذه النصوص ثمة تتمة..