«العمالة البريئة».. رواية بلا حدود.. واختصاصية تدفع بوصفة ناجعة للحسم
تشرين- محمد النعسان:
أكفٌ ملطخة، وجوه شاحبة، وأقدام كساها السواد، هكذا هو المشهد في كل صباح، ويعاود الشريط تكرار المشهد ذاته مع كل مساء، أطفال لم يتجاوز أكبرهم الثالثة عشرة من العمر يجوبون الشوارع بحثاً في ركام القمامة عمّا يضمن قوتهم!
تشغيل الأطفال ظاهرة مؤلمة وقاسية، ولها الكثير من القضايا السلبية المؤثرة عليهم وعلى مستقبلهم، وذلك من خلال معاناتهم والقهر النفسي والفكري الذي يعانونه.
ولمزيد من تسليط الضوء على هذه الظاهرة التقت «تشرين» الاختصاصية التربوية ريم داوود التي قالت:
تشير ظاهرة تشغيل الأطفال، إلى استغلالهم في أيّ شكل من أشكال العمل الذي يحرمهم من طفولتهم وحقّهم في التعليم واللعب، كما يعوق قدرتهم على الالتحاق بالمدرسة والتعلم، فعمالة الأطفال تعني فرض عبء ثقيل على الطفل، وتعريض حياته للخطر، في انتهاك واضح وصريح للقانون الدولي الذي يُحرّم تشغيل الأطفال وحرمانهم من حقوقهم المشروعة. ونجد في الجانب الآخر من هذا المصطلح ما يُسمّى عمالة الأطفال الإيجابية! إذ يشير هذا الأخير إلى الأعمال التطوّعية أو حتى المأجورة التي يقوم بها الأطفال بما يناسب عمرهم العقلي والزمني، ويناسب قدراتهم وإمكاناتهم الجسدية من دون حرمانهم من حقوقهم المشروطة، على أن تكون لهذه الأعمال آثار إيجابية تنعكس على نموهم العقلي والجسدي والنفسي.
وعن أسباب عمالة الأطفال قالت داوود : بمجرّد أن (يطن) هذا المصطلح في مسامعنا يتراءى لنا الوضع الاقتصادي المتردّي للطفل، لكن الحقيقة تكمن في غير ذلك، فممّا لا شكَّ فيه هو أن العامل الاقتصادي ليس الوحيد المسؤول عن هذه العمالة، فهناك عوامل أخرى عديدة كالموروثات الثقافية، والبيئة المحيطة، والطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها الطفل، فضلاً عن أسباب أخرى نذكر منها:
-المستوى الثقافي للأسرة الذي يؤكّد أن التعليم لا فائدة منه، لذلك لا داعي للإنفاق على الأطفال بشيء لا جدوى منه.
-الحروب والأزمات التي تخلق عبئاً اقتصادياّ كبيراً، ما يفرض عمالة الأطفال في ظلّ غياب المعيل أو فقدانه فيتحوّل هذا الطفل معيلاً لأسرة.
-النظام التعليمي السائد و بضمنه كثافة مناهج، قسوة مدرسين، عدم قدرة الطالب على فهم المطلوب نتيجة مشكلات متنوعة نمائية كانت أم أكاديمية، وما ينتج عنها من تسرّب دراسي وعزوف عن التعليم يقود الطفل نحو العمالة كخيار سهل.
التأثيرات النفسية والاجتماعية لعمالة الأطفال: إن عمالة الأطفال ليست بالآفة الحديثة، كما أنها ليست بمصطلح جديد، فهي قديمة متنامية مع تنامي الأزمات والموروثات الثقافية، ونظراً لخطورة آثارها السلبية أُجريت بحوث ودراسات عديدة أكّدت أن عمالة الأطفال غير المنظمة وغير المضبوطة والتي ينجم عنها حرمان الأطفال من حقوقهم من دون أي هدف إيجابي يسعى إلى تطوير ذواتهم نفسياً أو جسدياً أو عقلياً لها تأثيرات سلبية جمّة في سلوك وحياة هؤلاء الأطفال على الصعيدين الخاص والعام، ذلك أنها تؤدي إلى مشكلات نفسية اجتماعية خطيرة تصل في كثير من الأحيان إلى اضطرابات يصعب السيطرة عليها، فضلاً عن حالات العنف الجسدي، والتحرّش، وحالات الاغتصاب التي تطول هؤلاء الأطفال ذكوراً كانوا أم إناثاً.
وفي سؤال عن الوقاية من عمالة الأطفال قالت الباحثة : نظراً لآثار العمالة السلبية على الفرد والمجتمع كان لابدّ من التفكير بوسائل ناجعة للحيلولة من هذه الظاهرة على الجبهات الآتية:
نشر الوعي الذي يمكّن الوالدين من إدراك مخاطر تشغيل الطفل الذي يمكن أن يكون استغلالاً له في كثير من الأحيان.
فرض قوانين صارمة وتنفيذها بشكل فعلي، ويتطلّب هذا عملاً حثيثاً تشترك فيه المؤسّسات غير الحكومية مع المؤسّسات الحكومية بهدف حماية الأطفال من أي استغلال، مع ضرورة تعزيز دور المواطنين في الإبلاغ عن حالات مماثلة.
رغم المآسي والصعاب التي عانيناها ولانزال، يبقى الأمل حليفنا وطريق نجاتنا للنهوض من ركامنا نحو القمة، مؤمنين بأنه ما من شيء مستحيل أو غير ممكن، فمع الإرادة والتصميم نستطيع فعل المعجزات.