خطر يتهدد أرزاق السوريين..المبيدات الزراعية غير الفعّالة تتصدر الأسواق في الأرياف.. انخفاض الجودة والإنتاجية وإلحاق الخسائر بالفلاح والمستهلك معاً
درعا – وليد الزعبي
حال الفلاح مع المبيدات والأدوية الزراعية ينغص البال، فهو يقوم بعمليات رشها لمكافحة الحشرات والديدان لكن من دون نتائج مرضية في القضاء عليها، الأمر الذي يتسبب في تدني إنتاجية وجودة المحاصيل وقد يتسبب بخسائر كبيرة لهم، كما أن هناك احتمال الإضرار بصحة المستهلك متناول المنتجات الزراعية المصابة وكذلك الإضرار به مادياً لكونه سيضطر لإتلاف قسم مما اشتراه.
ضعيفة أو معدومة
في السياق لم يخف الكثير من المزارعين خلال حديثهم لـ”تشرين” معاناتهم مع عدم موثوقية المبيدات الموجودة في الأسواق، لافتين إلى أنها بأثمان باهظة جداً ولا مناص من استخدامها لمكافحة الإصابات بالديدان والحشرات للحفاظ على جودة المحاصيل، لكن المشكلة في ضعف فعالية بعض أنواعها أو انعدامها بالكامل رغم تكرار عمليات الرش بها، ولفتوا إلى أن الفلاحين لا يستطيعون تمييز الأنواع الموثوقة من غير الموثوقة.. فهذا الأمر عصي عليهم ويحتاج مختصين، وحتى إن كانت لديهم ثقة ببعض الأنواع فهذه الثقة تتبدد مع الاستعمال، وعدم الفعالية ما يعني أن بعض المعروض منها مغشوش.
بحث بلا جدوى
وذكر مزارعون آخرون أن هناك آفات جديدة غير مألوفة أصبحت تظهر في الفترة الأخيرة ولا خبرة للفلاح بها، وحين يتم إرشاده حولها يسعى للتعامل معها ومكافحتها، ويبدأ بالبحث عن المبيدات المناسبة، لكنه قد لا يوفق بإيجاد المناسب منها ويضطر للرضوخ لاجتهادات القائمين على مراكز تداول المبيدات والأدوية الزراعية، وقد تكون النتائج غير مرضية من حيث عدم ملائمة المبيد الذي تم وصفه، وخاصة أن بعض العاملين في تلك المراكز ليسوا مؤهلين لهذا العمل.
متطفلون كثر
مع آخر ما ذكر تظهر مشكلة جديدة، وهي عمل المتطفلين من غير المختصين بالمراكز والمكاتب الزراعية التي تتداول المبيدات، حيث إنهم ليسوا من المهندسين الزراعيين وباختصاص وقاية النبات المطلوب بهذا المجال، وعلى ما يبدو أن الظروف السائدة وخاصةً في الأرياف -حيث لا يمكن للجهات الرقابية متابعة وضبط ما يحدث- شجعت الكثيرين على التمادي في استباحة هذه المهنة، الأمر الذي يرتب نتائج سلبية من حيث وصف مبيدات وأدوية لا تناسب حالات الإصابة، مع الإشارة إلى أن هؤلاء المتطفلين لا تعنيهم المصداقية تجاه وثوقية المواد وصلاحيتها، وبالتالي يعرضون الفلاح عن قصد أو غير قصد لخسارة مضاعفة تتمثل بخسارة ثمن المبيد وخسارة لدى تسويق المحصول نتيجة تدني الجودة والإنتاجية.
مخالفات جمة
حديث المهندس جمال المسالمة رئيس غرفة زراعة درعا كان جريئاً بهذا المجال، حيث كشف أن المبيدات الموجودة في الأسواق قسمان، الأول: هو المصنّع محلياً والمستورد بشكل مشروع ومدقق أصولاً من الجهات المختصة بوزارة الزراعة وممهور بأختام نظامية ونسبته ٢٠٪، أما الثاني فهو الداخل بطرق غير مشروعة وغير موثوق به ولا يمت للفاعلية بأي صلة، بالرغم من أن النشرات الفنية المرفقة به تتضمن المواصفات كاملة لجهة النسب العيارية والنسب الفعالة، كما أن هناك مبيدات مصنعة داخل القطر بشكل مخالف وليست لها أي فعالية أيضاً، ونصح بضرورة عدم شراء الفلاح للمبيدات إلّا إذا كانت من الأصناف المصنعة محلياً والمستوردة بشكل نظامي وممهورة من الجهات المعنية ولا ضير من سؤال أهل الاختصاص والخبرة في هذا المجال للمساعدة في الاسترشاد للأصناف الموثوقة، مطالباً بضرورة وجود ختم ليزري على عبوات المبيدات الزراعية تحد من حالات الغش والتلاعب التي يقع ضحيتها الفلاح وقد يمنى بسببها بخسائر فادحة.
أسعار فاحشة وبالمزاج
ولفت رئيس الغرفة إلى أنه وبسبب عدم وجود ضوابط من الجهات المعنية أصبح المصنّع أو المستورد يضع السعر الذي يناسبه مع إضافة 10% عليه بشكل استباقي ما فاقم الأسعار وجعل الأرباح فاحشة وشكل عبئاً ثقيلاً لا يمكن للفلاح استمرار باحتماله، كما أن ارتفاع أسعار المواد الأولية دفع بعض المصنعين للبحث عن المواد ذات الفعالية المتدنية لكونها بسعر أقل ويقوم بتصنيع المبيدات منها، وهو من الأسباب الإضافية لتدني الفعالية، وأشار إلى أن بعض المبيدات المستوردة قد لا تخضع للفحوص الفنية الدقيقة وقد يتم تصنيع بعضها في دول مجاورة بمواصفات متدنية وتدخل إلى القطر تحت مسميات أوروبية.
تفعيل الرقابة
تجاه ما تقدم عبّر المسالمة عن أمله بأن تفعّل الضابطة العدلية في مديريات الزراعة متابعتها وبشكل مفاجئ لمعامل التصنيع والمستوردين، ومن ثم مراكز ومكاتب تداول المبيدات وأخذ عينات من المواد الأولية أو تلك الجاهزة للبيع وتحليلها والتثبت من مدى مطابقتها للمواصفات وفي حال المخالفة اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق مرتكبيها.
إساءة للمهنة
وأكد رئيس الغرفة ظاهرة وجود متطفلين على المهنة من غير المهندسين الزراعيين، حيث إن هؤلاء يسيئون للمهنة ويلحقون الضرر بالفلاح من خلال بيعه مبيدات قد لا تكون مناسبة للإصابات الواقعة بالمحاصيل، أو غير فعّالة ومجهولة المصدر، أو منتهية الصلاحية، وهي ظاهرة تحتاج متابعة من الجهات المعنية لمحاصرتها والحد منها.
طرق فنية للرش
ونصح المسالمة بضرورة اتباع الطرق الفنية لرش المبيدات، وذلك من خلال التقيد بأن تكون درجة حموضة المياه مقبولة بنسب معينة لإذابة المبيد والدواء بشكل كامل قبل استخدامه، وأن تكون عملية الرش صباحاً أو مساءً بدرجات حرارة لا تزيد على 25 درجة مئوية ونسبة رطوبة الجو حوالي 60%، كما أن هناك أوقاتاً للرش يجب الالتزام بها ولاسيما في مراحل توضع البيوض وظهور الحشرات وكذلك الفراشات الكاملة، وذلك لا يتم بشكل عشوائي بل من خلال وضع مصائد فرمونية لرصد عدد الحشرات أو الفراشات لتتم عملية الرش عندما تتجاوز العتبة الاقتصادية.
الدور حسب المتاح
عن دور الضابطة العدلية في مديرية الزراعة بدرعا، ذكر المهندس حسن الصمادي أنها تقوم بالجولات على المحلات الزراعية ضمن الأماكن المتاحة، حيث يتم التأكد من أن المواد نظامية وممهورة بخاتم لجان مراقبة تجار المبيدات والبذور، وتتم مصادرة المواد غير النظامية أو المنتهية الصلاحية وكتابة الضبط اللازم في حال وجود مخالفة، وأضاف: إن مديرية الزراعة تنصح الفلاحين باستخدام المواد النظامية وعدم تكرار استخدام المادة الفعالة نفسها كي لا تكتسب الآفات ظاهرة المقاومة تجاه المبيد وبالتالي لا تصبح هذه المبيدات فعالة بمكافحة هذه الآفات.
إدارة متكاملة
عن ماهية الإرشاد لاستخدام المبيدات أوضح المهندس محمد الشحادات رئيس دائرة الإرشاد الزراعي في مديرية زراعة درعا، أنه تتم من خلال الكادر العامل بالوحدات الإرشادية من مهندسين ومراقبين زراعيين متابعة المحاصيل الزراعية والتحري عن الآفات الزراعية من أمراض فطرية وفيروسية وفيزيولوجية وآفات حشرية وتطبيق الإدارة المتكاملة، توازياً مع نشر المعرفة من خلال تنفيذ حزمة نشاطات إرشادية بالتعاون مع فنيي دائرة الوقاية بالمديرية.
محاصرة الظاهرة
مطلوب أمام ما تقدم تضافر جهود الضابطة العدلية الزراعية مع الجهات المختصة والمجتمع المحلي لمحاصرة ظاهرة انتشار مبيدات غير موثوقة في الأسواق، من خلال الجولات المفاجئة على معامل التصنيع ومراكز تداول تلك المبيدات وضبط ومصادرة المواد المخالفة سواء أكانت موادَّ أولية أو جاهزة للتداول، وذلك ليس بمصلحة الفلاح ومنع خسائره فقط بل بمصلحة المستهلك أيضاً لكونه يحد من تناوله منتجات محاصيل مصابة ويجنبه إتلاف أي كميات منها.