الصداقة السورية – الروسية تُثمر إعلاميّاً
تشرين-هبا علي أحمد:
طالما تساءلت لماذا نُحب روسيا ولماذا نسعى لتعميق العلاقات معها وجعلها متينة وعميقة ومتجددة وهي التي تكونت منذ عقود ؟، وسبق أن استخدمت هذه التساؤلات في مقال سابق، من دون أن أجد الإجابة الكافية والوافية لتقطع عندي الشك باليقين كما يقال، في الوقت نفسه نتساءل: لماذا تحب روسيا سورية وشعبها وتقف إلى جانبها؟.
مؤخراً، يمكن القول إنني وجدت الإجابة وعاينتها عن كثب في زيارتي لروسيا مع الوفد الإعلاميّ السوريّ المشارك في ورشة عمل ضمن البرنامج الحكومي الروسي «الجيل الجديد» حول آخر تطورات العمل المهنيّ الإعلاميّ فيما يخص التلفزيون والإذاعة وإعلام الإنترنت والإعلام المطبوع في القنوات الروسية.. والتي تمّ تنظيمها من قبل الوكالة الفيدرالية للتعاون الدولي الإنساني بالمشاركة مع مجلس الأعمال الروسي- السوري بالتعاون مع قناة “روسيا اليوم” وبالتنسيق مع وزارة الإعلام والسفارة السورية في موسكو.
أن تكون في روسيا ولاسيما في هذه المرحلة السياسية الدقيقة، يعني أن تدرك سياستها عن قرب وتدرك – وهنا ننطلق من تطورات الأزمة الأوكرانية – الصبر الاستراتيجي الروسي مع السعي لاستمرارية المعركة ليس حباً بالقتال ولكن دفاعاً عن سيادة الدولة واستقرارها وإبعاد شبح زعزعة الاستقرار المراد عبر الأراضي الأوكرانية، وتدرك أن التوصل إلى خيار الحرب كان أصعبها ولكن الأكثر إلحاحاً في الوقت عينه، فمن الطبيعي أن تدافع الدولة الروسية عن نفسها ضد أي تهديدات خارجية فهذا دفاع مشروع، ولاسيما أننا نعرف يقيناً شراسة الهجمة الأمريكية – الغربية على روسيا كقوة دولية تعمل لوضع حد للهيمنة الغربية على مقدرات الدول وثرواتها.
أن تكون في روسيا يعني أن تدرك مكانة سورية في قلب روسيا أهم صديق في الشرق الأوسط، ولم تستطع الظروف والفترات العصيبة التي مرّ بها كلا البلدين إضعاف العلاقة، بل قَوّتها، حتى أصبحت موضع اعتزاز للجانبين..وكما روسيا تقاتل اليوم عن العالم، سورية قاتلت ودافعت ليس عن سيادتها فحسب بل عن المنطقة بأكملها، فالمعركة ضد روسيا وسورية واحدة، وكلا البلدين يواجهان العدو نفسه والأدوات نفسها سواء الإعلامية أم الاقتصادية، بالإضافة إلى العقوبات غير الشرعية وفرض الحصار الاقتصادي الجائر على سورية وروسيا على حد سواء، ما يستدعي توحيد رؤى المواجهة وأدواتها، والتوصل لاتفاقيات على المستوى الاقتصادي مجدية للبلدين ولشعبيهما.
لا نغالي إذا قلنا إن النصر الناجز سيكون الحليف الذي لا مفر منه للطرفين، وإذا كنا في سورية لمسنا يقيناً هذا الأمر عند تحرير المدن والقرى من رجس الإر*ه*اب وعودتها وأبنائها إلى حضن الوطن مع مواصلة معركة التحرير والحفاظ على المكتسبات، فلابد من أن تنطبق القاعدة على روسيا، ومن يزرها ويتجول في منتزه الباتريوت العسكري ومتحفها الوطني ويشاهد التوثيق الدقيق لكل المعارك التي خاضتها روسيا – الاتحاد السوفييتي آنذاك- التي أطلق عليها الحرب الوطنية العظمى خلال الحرب العالمية الثانية، والتضحيات التي قدمتها وكيف تم الانتصار على النازية في نهاية المطاف، يدرك أنه مهما امتدت المعركة الراهنة فانتصار روسيا على النازية المتجددة حقيقة لا مفر منها.
معنى الصداقة تقوم على قاعدة التكامل والتبادل، الاستفادة والإفادة، الأخذ والعطاء في مختلف المجالات.. إذ قدم الوفد الإعلامي عبر ورشة العمل التفاعلية بكل أفراده الصورة المهنية عن الإعلام السوري الذي قدم الشهداء وكان مع الجيش على الجبهات لنقل الحقيقة التي حاول الغرب تضليلها.. كما اطلع في المقابل على آليات العمل الإعلامي المهني الروسي ممن يعملون به، وتطوره مع المحافظة على الإرث الذي بُني عليه هذا التطور والتقدم والمراحل التي مرّ بها، واهتمامه بمختلف الملفات، وطرق التعاطي مع الأحداث وموضوع التضليل الإعلامي الذي تعاني منه روسيا اليوم كما عانينا منه في سورية خلال الحرب الإر*ها*بية الكونية، وزيارة الوفد تعطي دفعاً لضرورة استمرار التواصل والتعاون بين الإعلاميين السوريين والروس، لبناء علاقات مهنية جديدة وغير بروتوكولية نظراً لخطورة العمل الصحفي، ولابدّ من الإشارة إلى أن تجربة الإعلام الروسي منذ أيام الاتحاد السوفييتي وإلى الآن هي تجربة تستحق الدراسة.
ولكوننا نتحدث عن عمل إعلامي فبالضرورة أن القواعد المهنية واحدة، والاختلاف الوحيد هو بالتجهيزات والتقنيات التي تنقص كادرنا الإعلامي والتي يحتاجها لترجمة الكفاءة والمهنية التي يتمتع بها إلى جانب الخبرة في العمل الصحفي وفي مختلف المجالات بالصورة المطلوبة، من هنا لا يمكن عدّ الزيارة بأي حال في إطار التدريب ، فهي أبعد ما تكون عن ذلك وأقرب إلى إطار التشاركية وتبادل الخبرة والمعرفة التي يمتلكها الطرفان.
فنٌ وثقافةٌ وعمران وحضارة تتماهى معها في موسكو وشوارعها وأنوارها، ونفحات دينية تستكين معها الروح من جامعها الكبير -الأكبر في أوروبا- بما ينسجم مع التعاليم الحقيقية للدين الإسلامي المحمدي السّمح الذي حاول الغرب تشويهه في كل من موسكو ودمشق، مع تراتيل كنسيّة تصدح بها الكنائس تشعرك وكأن السيدة مريم العذراء والسيد المسيح عليهما السلام يكلّلانك بالحب والأمان.
أوراق الخريف التي رافقت الوفد الإعلامي في طرقات وشوارع موسكو تخلّت عن كآبتها وصدَّرت الحب والفرح ذاته الذي نقلناه من سورية إلى روسيا كإعلاميين نمثل بلدنا الحبيب وعدنا محملين بكل الحب من روسيا إلى سورية وشعبها.