سورية مختبر ربّات الفنون.. رئيسة المركز الأوروبي للصروح البيزنطية وما بعد البيزنطية لـ«تشرين»: الفسيفساء السورية من الأجمل في العالم

تشرين -رنا بغدان:
يوماً بعد يوم لا تزال الفسيفساء السورية تدهش مكتشفيها بروائع اللوحات معلنة للعالم أجمع بأن تلك الحجارة السوريّة الصغيرة قادرة على تدوين أكبر الملاحم وأهم الأحداث على مرّ العصور بجمالية تكوينها وألوانها وحروفها ومساحاتها المختلفة بأيدي مبدعيها، وأن “ليفانيوس” الخطيب المرموق كان صادقاً منذ آلاف السنين حين امتدح الحياة الفكرية والروحية في سورية وسطّر في مؤلفاته عبارة: “سورية مختبر ربّات الفنون”.. وما لوحة الفسيفساء “الرستنية” المكتشفة مؤخراً إلّا إحداها والتي تزامن اكتشافها مع افتتاح المعرض الرقمي للفسيفساء السوريّة في المتحف الوطني بدمشق الذي أقامه المركز الأوروبي للصروح البيزنطية وما بعد البيزنطية في اليونان EKBMM مع المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية DGAM وقسم الآثار في جامعة دمشق تحت رعاية وزارة الثقافة والذي يختتم اليوم الأحد.
عن الفسيفساء السورية وأهميتها وقيمتها في الحضارة الإنسانية وأثناء زيارتها لسورية وافتتاح المعرض تقول الدكتورة ناتاليا بولو، أستاذة علم الآثار في الجامعة الأرسطوطالية اليونانية في سالونيك ورئيسة المركز الأوروبي للصروح البيزنطية وما بعد البيزنطية:
تعد الفسيفساء السورية من أجمل أصناف الفسيفساء في العالم نظراً إلى التقنية العالية في تصنيعها وغنى الموضوعات التي تجسدها إضافة إلى تصويرها لأنماط الحياة البشرية على مدى الحقب الزمنية الماضية. فمنذ العصور القديمة وطرق تجارة الشرق ومبادلاته التي تربط أقاصي الشرق تلاقت في هذه البلاد بوصفها الوجهة النهائية للتجارة الدولية في البحر الأبيض المتوسط وكانت سورية مكاناً ليس للترويج للسلع النفيسة القادمة من المحيط الهندي والشرق الأقصى بل مكاناً لإنتاجها ومعالجتها, ولقد عززت شبكة تبادل كثيفة الترويج للمنتجات ذات العلامات التجارية من سورية وفلسطين نحو سائر مراكز التجارة المتوسطية فعززت بذلك اقتصادها الحضري والريفي وساهمت في تطوير الحياة اليومية وتحسينها, فيما ساهمت على التوازي في تشجيع الحفاظ على رفعة مستوى التعليم والآداب والإبداع الفني, وجميع قيم الحضارة السورية تخللتها روحانية سامية مترجمة إلى تعبيرات فنية وجماليات، كما يتجلى ذلك في فسيفسائيات المعرض التي نجد معظمها مدوّناً بالخطين اليوناني والآرامي السوري.
وعن هذا المعرض تتابع قائلة: فمنذ عام 2004 لغاية 2008 وفي إطار تعاونه لترميم الصروح الأثرية خارج اليونان وصيانتها والتعريف بها وتسليط الضوء عليها قام المركز بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية وقسم الآثار في جامعة دمشق بتنفيذ برنامج لفهرسة 356 أرضية فسيفساء على امتداد الجغرافيا السورية وأنشأ منها أرشيفاً رقمياً عام 2020 انكبّ علماء المركز على معالجته وتوثيقه بدءاً من الموقع الجغرافي وتسجيل المناطق التي تأتي منها الفسيفسائيات, ومن ثم تمّ تجميع المادة وتدقيق كل من البيبلوغرافيا والتأريخ ثم تفريعها من حيث الموضوعات إلى خمسة محاور.
وفي أعقاب هذا البحث ودراسة المواد وتحريرها قام المركز بإنشاء أرشيف رقمي منهجي صار في متناول الباحثين مع الأخذ في الحسبان الحرب التي استعرت عشر سنوات في سورية وكل ما رافقها من تدمير للآثار, ومن هنا كان لهذا الأرشيف قيمة لا تُقدّر بثمن لأنه يطرح ضمن مناخ رقمي صوراً لهذه الفسيفسائيات السورية عالية القيمة الفنية التي صُنعت إبّان العصور القديمة المتأخرة وبواكير العهد البيزنطي.. فكل الشكر والتحية لمن ساهم في هذا المشروع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار