ذاكرة مريضة تستحكم بمصير الشباب.. وصمة الأهل تلاحق الفتيات المقبلات على الزواج..”الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون”..!
تشرين- دينا عبد:
تؤثّر الوصمة الاجتماعية السيئة لدى الفتاة وأسرتها بشكل أكبر مما قد تؤثره الوصمة الاجتماعية السيئة نفسها عند الرجل، فلا يزال المجتمع يهتم بالمظاهر أكثر من البحث في الجوهر، وكثيراً ما يدفع الأبناء ثمناً غالياً لأفعال الآباء أو سلوكهم غير السوي.
وتعدّ الدكتورة سمر علي- جامعة دمشق أنه ليس صحيحاً أن السلبيات أو الأخطاء تلغى بالتقادم أو تذهب مع الماضي، بل تلاحق الأفراد في حاضرهم ومستقبلهم وفي مستقبل الأبناء.
لا يحاسب بالطريقة ذاتها
سمعة الأهل من الأولويات التي يدقق حولها المقبل على الزواج؛ وقد تتعرض الفتاة للظلم أكثر من الشاب لأن الرجل يتقصى عن شريكة حياته التي ستصبح أماً لأولاده، أما الرجل فلا يحاسب بالطريقة ذاتها، ويمكن أن تقبل الكثير من الفتيات الزواج بشاب ما.. رغم سمعته السيئة أو عيوبه الكثيرة، والمبررات الاجتماعية لا تقل سوءاً عن السلوك السيئ ذاته كعبارات: (الرجل لا يعيبه إلّا جيبه) أو ( بعد الزواج يتحسن سلوكه) وغيرها من المبررات التي تبيح الخطأ للرجل وتعاقب المرأة وبناتها وحفيداتها عليه، وكم من فتاة على مستوى عالٍ من التعليم تضطر للزواج من شاب أقل منها بالمستوى العلمي، والسبب يعود لسمعة أهلها أو تفكك أسرتها بالطلاق أو الانفصال.
ولا يغيب عن الذهن كم تعاني الفتاة ابنة الأم المطلقة في العثور على الشريك الذي يقبل الزواج بها رغم أن سمعتها قد لا تشوبها شائبة.
الوعي والتسامح
هي مشكلة قديمة ومستمرة في وقتنا الحاضر، وتعد من المشكلات المتعلقة بالعادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة التي تحتاج إلى الوقوف عندها وإعادة النظر بخطورة استمرار الوصمة الاجتماعية بين الأبناء والأحفاد رغم اختلاف الزمن والسلوك والظروف.
وترى الدكتورة علي أننا لا نحتاج لأكثر من الوعي والتسامح وإعطاء الفرصة لكل إنسان لإثبات وجوده وكيانه وشخصيته المستقلة بعيداً عن أي أحكام موروثة أو مسبقة.
بدورها الدكتورة غنى نجاتي اختصاصية الصحة النفسية كان رأيها من الأمثال الشعبية العالمية، التي ليست حصراً على مجتمعنا المحلي المشهور بمقولة “البنت بتطلع لأمها” ، وبين المزاح والضحك يختبئ الموروث الثقافي والاجتماعي، الذي ينتقل عبر الأجيال ليعطي لكل إنسان نبذة مستقبلية عن أي شخص بمجرد النظر إلى والديه.
الإنسان يختار قناعاته
ولكن هذه الأمثال والتوقعات -والكلام لا يزال للدكتورة نجاتي- لا تمت إلى العلم بصلة، فكل الدراسات الأنثربولوجية تؤكد أن الإنسان يختار قناعاته التي سيرسم عليها خطوط حياته العريضة، ويحدد ما هو مقبول أو مرفوض بغض النظر عن بيئته لأنه سيختبرها ويحكمها ، ويبقى له ما يتماشى مع ميوله وأهدافه، ولذلك من الطبيعي أن يكون للأهل مخزون معتقدات وعقائد ومسلمات مختلفة ومتناقضة عن أبنائهم البيولوجيين؛ فربما يعاني بعض الأهل من بعض الأمراض الاجتماعية والنفسية التي تدفعهم لممارسة بعض السلوكيات الجانحة أو المضادة للمجتمع مثل السرقة والاحتيال أو البغاء.
وبالتالي قد تكون مهنة الأب أو الأم لا ترضي الأبناء اجتماعياً ونفسياً وهذا لا يعني أن الأبناء سيزاولون بيئة العمل نفسها، لأنهم بكل بساطة لا يتشاركون الأفكار نفسها ؛ وحتى لو كانوا يتشاركون مع والديهم جزءاً من المورثات الجينية وربما قد يعيشون معهم بالبيئة الاجتماعية والجغرافية نفسها.
ويأتي الظلم السيكولوجي عندما يتم تطبيع وتعميم سلوك فرد واحد على بقية أسرته، فنجد مجتمعنا يسمي كل الأسرة بالعائلة المذمومة والمنبوذة لأن والدتهم أو والدهم عمل ما يسيء للسمعة.. وهذا ما يقف حاجزاً أمام مستقبل أولادهم الذين رغم أنهم شقوا طريقهم بعصامية وشرف، إلّا أن وصمة سمعة أهاليهم ما زالت تطاردهم في كل مشروع زواج طاهر أو تشارك عملاً تجارياً معيناً.
كل إنسان مسؤول عن أفعاله
وتختم الدكتورة نجاتي كلامها بالقول: بالصحة النفسية أرى أن كل إنسان مسؤول عن أفعاله وتصرفاته وسلوكياته الشخصية فقط، وليس من العدل أن تتم معاملته ومحاسبته على أفعال غيره، حتى لو كانوا أقرباء له من الدرجة الأولى، وأتمنى أن يتذكر الجميع أن الحياة ليست عادلة بظروفها ومشكلاتها، وكل إنسان يستحق أن يعيش فرصة ثانية ترقى إلى مستوى أحلامه الهادئة وتسمح له بالعيش بكرامة وطمأنينة.