نسبته في المشافي الخاصة أكثر من العامّة… الخطأ الطبي جرم بـ«حسن نية».. وعقوبات مسلكية متدرجة تبدأ بالتنبيه
تشرين- بادية الونوس:
خطأ طبي في أحد المشافي الخاصة أدى لوفاة شاب وحيد لأبويه.. خبر ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا.. بالكاد تمضي فترة حتى يتناهى إلى مسامعنا خبر خطأ طبي هنا، وآخر هناك، فقد كثر في الآونة الأخيرة حدوث أخطاء طبية في مشافي القطاعين العام والخاص، وما ينتج عنها من حدوث وفاة ما، أو التسبب بتشوه أو بإعاقة، ناهيك بالأذى النفسي لذوي المريض ودفع التكاليف الباهظة.
يؤكد د.عماد سعادة رئيس فرع نقابة أطباء دمشق تسجيل 60 شكوى وردت إلى فرع النقابة منذ بداية هذا العام، أغلبيتها بسبب عمليات تجميلية، ومنها جراحات تنظيرية، في المقابل تؤكد وزارة الصحة أنه يتم تنفيذ جولات رقابية على المشافي وتعالج الشكاوى الواردة لتتخذ العقوبات بحق المخالفين.
إذاً، ما الأسباب وما الإجراءات المتخذة؟، بالإضافة إلى نقاط أخرى تناولتها «تشرين» في هذا الموضوع.
متى يكون الخطأ خطأً فعلاً؟
يعرّف د.سعادة الخطأ الطبي بأنه مخالفة الطبيب أو سلوكه، بشكل يخالف القواعد والأصول الطبية التي يقضي بها العلم، أي إنه قد يكون بسبب عدم قيامه بتقديم الخدمة الطبية الصحيحة بناء على أحدث التطورات العلمية، وعدم متابعته التطورات الحاصلة في مجال الطب، هذه الأصول الطبية التي يجب أن يعرفها الطبيب ويكون متآلفاً معها من الناحية النظرية والعملية حين قيامه بعمله الطبي، كما أنه يعد من الخطأ الطبي الإخلال بواجباته عند القيام بعمله من حيث عدم اتخاذ الحيطة والحذر واليقظة التي يفرضها القانون والمهنة عليه، والذي يترتب عنه نتائج جسيمة، على سبيل المثال قيام الطبيب بإجراء عمل جراحي في مشفى غير مؤهل، أو بإعطاء أدوية للمريض من المعروف أنها لا تفيد في حالته.
الفرق عن الاختلاط
في الكثير من الحالات يقول بعض الأطباء: حدث اختلاط طبي، وهذا ما يصعب على ذوي المريض إثباته إلّا بعد إجراءات معينة، إذاً، ما الفرق بين الخطأ والاختلاط؟ يؤكد د.سعادة أن الاختلاط الطبي هو مشكلة طبية تحصل نتيجة مرض أو حالة مرضية أخرى، أو هو حالة غير طبيعية تحصل خلال تطور المرض الأساسي.. على سبيل المثال مريض لديه قصة التهابية وليس لديه أي سوابق تحسسية أُعطي صاداً حيوياً وحصل لديه تحسس من هذا الدواء، فهذا ليس خطأً طبياً وإنما اختلاط لإعطاء الدواء وتأثير جانبي له.
طول ساعات العمل من أسباب الخطأ
ثمة العديد من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث خطأ طبي بسبب الطبيب.. يقول د.سعادة: منها عدم الاهتمام والتركيز، نقص في الخبرة الطبية، عدم التأني والسرعة وعدم الاستماع بدقة إلى شرح المريض لشكواه، أو عدم القيام بالكشف الطبي السريري الكامل، لأنه قد يكون هناك بعض الموجودات بالفحص السريري يمكن أن يغفلها الطبيب إن لم يقم بالفحص السريري الكامل، وقد ينجم الخطأ الطبي لعدم استشارته زملاءه في بعض الحالات، مشيراً إلى أن بعض المشافي العامة تقوم بإجراء جلسات يجتمع فيها الأطباء من اختصاصات متعددة ذات علاقة بالحالة المرضية، لمناقشة الحالة واتخاذ القرار الطبي المشترك من قبلهم، فالعمل الطبي عمل فريق وهو الوسيلة المثلى للارتقاء بالمهنة، وغالباً ما يتوفر ذلك في المشافي العامة أكثر من الخاصة، ويضاف إلى الأسباب السابقة ساعات العمل الطويلة، فوفق (دراسات) تكون الأخطاء التي يرتكبها الأطباء المتدربون أثناء نوبات العمل الطويلة، علماً أن الأخطاء الطبية ليست مقتصرة على بلدنا فحسب وإنما في كل بلدان العالم، فهي تعدّ ثالث قاتل للمرضى بعد السرطان والسكتات القلبية، وأشارت بعض الدراسات إلى أن الأخطاء الطبية منتشرة حتى في البلدان المتطورة، فنسبتها في الدانمارك 9% وفي كندا 8% وتصل لنحو 11 % في اليابان، أي إنها ليست مقتصرة على بلدان العالم الثالث.
وكذلك نقص الخبرة
يضيف مدير المنشآت الطبية في وزارة الصحة د.إياد عبد اللطيف حماد أنه من الأسباب التي تؤدي إلى الخطأ الطبي؛ (نقص الخبرة، الاختلاطات، العناية ما بعد العمل الجراحي، عدم التقيد بالتعليمات)، تتم إحالتها إلى اللجان المختصة حسب العمل الطبي الذي تم تنفيذه ويتم التنسيق مع نقابة الأطباء في التحقيق بهذه الشكوى وموافاة الوزارة بالنتائج واتخاذ الإجراءات القانونية حسب طبيعة العمل ونتيجة التحقيق وفق القوانين التي تندرج بحق المخالفين، منها: (تنبيه، إنذار، إغلاق بالشمع الأحمر)، ويتم التقدم في بعض الشكاوى للقضاء بشكل مباشر وتلتزم الوزارة بما يصدر عن القضاء المختص.
في العامة أقل من الخاصة
يرى د.عصام الأمين مدير مستشفى المواساة أن نسبة حدوث الخطأ الطبي في المشافي العامة أقل من الخاصة بسبب وجود عدد من التخصصات الطبية – ولم يحدث أي خطأ في مستشفى المواساة في المدى المنظور- إضافة إلى الخبرات الطبية التي تراكمها العمليات الجراحية التي تجرى في المشفى، إذ يصل عدد العمليات إلى 18 ألف عمل جراحي سنوياً، مبيناً أن ما يحدث غالباً هو اختلاط طبي، علماً أن الخطأ الطبي يحدث في كل بلدان العالم، فبالنهاية الطبيب بشر ويخطىء.
60 شكوى
يبين د.سعادة أنه وصل إلى الفرع منذ بداية العام وحتى تاريخه 60 شكوى، الجزء الأكبر منها تعود لعمليات تجميلية وكذلك عمليات جراحية، تم فصل واتخاذ قرار نهائي بـ(49) شكوى وبقيت 11 شكوى قيد المتابعة بسبب طلب إجراء لجان خبرة ثلاثية أو خماسية، وانتظار الحصول على بعض الوثائق حتى يتم اتخاذ القرار النهائي، أيضاً هناك 10 حالات ذات علاقة بالمجلس المسلكي، تم اتخاذ قرار نهائي بـ3 حالات، إضافة إلى 4 حالات يتم تجهيزها لعرضها على المجلس المسلكي ليتم البت فيها.
إغلاق 12 مركزاً صحياً
يؤكد مدير المنشآت الطبية في وزارة الصحة أن مجموع عدد الشكاوى المقدمة بخصوص الإهمال الطبي المقدمة إلى مديرية المنشآت الصحية حتى الربع الثالث من العام الجاري بلغ (5) شكاوى على المشافي العامة و7 على المشافي الخاصة، كما تم إغلاق 12 مركزاً صحياً خاصاً وعيادة واحدة بسبب وجود مخالفات، إضافة إلى معالجة 18 شكوى وتوجيه 8 إنذارات لمشافٍ خاصة.
إذاً ما دور النقابة؟
ثمة لجنة مشتركة من مديرية الصحة ونقابة الأطباء وقطاعات متعددة من واجباتها متابعة العمل الطبي في المشافي والعيادات. يضيف د.سعادة: إن مديرية المشافي التابعة لوزارة الصحة تقوم بشكل دوري وبجدية بمهمة مراقبة المشافي من خلال أخذ مسحات للتأكد من عدم وجود جراثيم مستوطنة، أو التأكد من الأدوية وصلاحيتها وكذلك للتأكد من أن ترخيص المشفى متوافق مع الإجراءات التي تجرى فيه، على سبيل المثال: إذا كان المشفى غير مرخص لإجراء جراحة أورام لا يحق له القيام بهذا العمل وهذا ما يحتاج متابعة دقيقة. مبيناً أنه في الفترة الماضية بسبب ظروف تبعات الحرب القاسية وانتشار (كورونا) أو عدم توافر المواد الطبية، كلها ساهمت بعدم المتابعة الدقيقة، لكن وزارة الصحة تتابع كل المشكلات الموجودة في المشافي لاستدراك أي نقص موجود.
جولات رقابية
عن دور الوزارة في مراقبة الأداء في المشافي يؤكد د.حماد أنه تتم الرقابة على عمل المشافي والمراكز الطبية من خلال الجولات الرقابية والدورية التي تقوم بها مديريات الصحة ومديرية المنشآت الصحية، وبناء على نتائج هذه الجولات تقوم الوزارة باتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم وفق القوانين والأنظمة النافذة، وحال وجود ملاحظات وشكاوى ترد من المواطنين تتم دراستها ومعالجتها.
اتخاذ عقوبات
تتباين العقوبات التي تتخذ بحق الأطباء المخالفين من عقوبة إيقاف نهائي عن العمل إلى إيقاف مؤقت لمدة شهر، أو عقوبة تنبيه غير مسجل حسب رؤية المجلس المسلكي في الفرع.
يقول د.سعادة: إن المجلس المسلكي بالفرع يتشكل عادة بقرار من الوزير، يضم ممثلين من وزارة العدل ومن وزارة الصحة وثلاثة أطباء أعضاء ويتخذ المجلس العقوبات المسلكية بدرجاتها المختلفة، بدءاً من التنبيه المسجل إلى تنبيه مسجل مع التأنيب أمام المجلس المسلكي، إضافة إلى الغرامة المالية، أو المنع من مزاولة المهنة مؤقتاً أو بشكل نهائي وشطب قيد الطبيب من النقابة، لافتاً إلى أن القرارات التي تصدر عن الفرع قابلة للاستئناف خلال عشرة أيام.
للطبيب حقوق
في المقابل للطبيب حقوق، يقول د.سعادة: لا يجوز تفتيش عيادة الطبيب أو حتى مشفاه ولا استجوابه إلّا بعد إبلاغ رئيس الفرع لحضوره، أو يكلف من ينوب عنه، ولا يعتدّ بإسقاط الطبيب حقه بذلك تحت طائلة بطلان الإجراءات وهذا مطبق بمدينة دمشق، والكثير من الاستدعاءات للأطباء تتم إما بوجود رئيس فرع النقابة شخصياً أو مندوب من النقابة أو من أعضاء الهيئة، لحضور استجواب الطبيب ويأخذ القضاء مجراه في هذه الحالة، منوهاً بأنه أثناء قيام الطبيب بمهنته لا يجوز بأي حال تحريك الدعوى العامة بحقه إلّا بعد إبلاغ رئيس الفرع ليكون على علم بكل الإجراءات التي تتخذ بحق الطبيب لإبداء الرأي فيها.