مبيدات عقيمة
لم أتوقع أن ينفجر ذاك المزارع غاضباً عندما سألته عن سبب وجود محاصيل مثل البندورة والفليفلة الحلوة والبطاطا وغيرها مصابة بالديدان في الأسواق، وبعضها لا يشاهد من الخارج بل يفاجأ به المستهلك عندما يعود للمنزل ويبدأ تحضير تلك الخضار للطعام، فيصاب بصدمة لأنه سيضطر لرمي معظمها في القمامة، وبالتالي خسارة مبلغ ليس بقليل.. حيث رد المزارع بعصبية: هذا ليس ذنبنا بل سببه المبيدات، فالمزارع يتكلف مبالغ طائلة لقاء شرائها بقصد مكافحة الديدان والحشرات التي تصيب المحاصيل لكن معظمها لا يجدي نفعاً ما يضعف الجودة والإنتاجية ويسفر عن خسائر كبيرة للفلاح قبل المستهلك.
في نبرة حديث المزارع تجسدت الأوجاع من صعوبات العملية الزراعية التي استطرد بذكرها عدا مشكلة المبيدات والأدوية، والمتمثلة بقلة مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة ومحروقات وبذار وارتفاع أثمانها مقابل ضعف التسويق في ذروة الموسم ما قد يعرضهم للخسارة.
وبالعودة للمبيدات غير الموثوقة؛ فإشارته لوجودها ليس بالاكتشاف في ظروفنا، وحالها كالكثير من المواد التي تغزو أسواقنا تهريباً منفلتةً من كل الضوابط والإجراءات التي تحرص على مطابقتها للمواصفات القياسية قبل منحها التصريح بالدخول.. ما يجعل الفلاح ضحية استخدام مواد ضعيفة الفعالية أو بلا فعالية أصلاً في مكافحة الآفات الزراعية.
ما يفاقم المشكلة أن متطفلين كثراً لاعلاقة لهم بالمهنة أصبحوا يزاولون العمل في المكاتب أو المراكز الزراعية وخاصة المتواجدة بالأرياف من دون شهادة الهندسة الزراعية التي يفترض أن تكون باختصاص وقاية النبات الذي يمكنهم من تشخيص الأمراض، وهؤلاء لجهلهم يصفون مبيدات لا تنفع بمعالجة الإصابات، كما ليس لديهم أي حس بالأمانة تجاه ضرورة عدم التلاعب بتاريخ المواد منتهية الصلاحية الواجب إتلافها لأن هاجسهم الوحيد الربح الفاحش من دون أن تأخذهم بالفلاح أي رحمة أو شفقة للخسائر التي قد يمنى بها من جراء ذلك.
إن مراقبة مكاتب تداول المبيدات وضبط مخالفاتها يتطلب تضافر جهود الضابطة العدلية المعنية والجهات المختصة مع تعاون الفلاحين بتقديم الشكاوى حيال عدم فعالية المبيدات وحرصهم على عدم شراء أيٍّ منها إلّا إذا كانت موثوقة من الإنتاج المحلي أو المستوردة بشكل نظامي، وهنا ينبغي سعي الجهات ذات العلاقة لتأمينها من المصدرين المذكورين بالقدر الكافي لتجنيب المزارعين مغبة شرائها من مصادر مجهولة.