الفرنسية آني ارنو أديبة نوبل الجديدة التي انحازت للأدب الواقعي وللحق الفلسطيني
تشرين-سامر الشغري:
مع مطلع تشرين الأول من كل عام ننتظر نحن جمهور قراء الأدب متلهفين إعلان نتائج جائزة نوبل للآداب، علّها تحمل لنا اسم كاتب سوري أو عربي على أقل تقدير، ولكن لهفتنا سرعان ما تحبط عندما تعلن الأكاديمية السويدية اسم الفائز بهذه الجائزة، التي يهيمن عليها كتاب من القارتين الأوروبية والأمريكية، ليظل نجيب محفوظ الممثل الوحيد فيها لأدباء الضاد.
قائمة الفائزين بجائزة نوبل للآداب استقبلت هذا العام اسماً جديدة وهي الكاتبة الفرنسية آني ارنو، التي تكاد تكون غير معروفة للكثير من القراء، حتى إن إدارة الجائزة عندما طرحت بعد إعلان فوز ارنو استفتاء حول من قرأ من قبل لهذه الكاتبة، كانت النتيجة أن 85% من المستفتين لم يقرؤوا لها كتاباً واحداً، وقد لا يعرف الكثير من القراء العرب أن ثمانية من أعمالها التي ناهزت العشرين كتاباً نقلت إلى العربية، ما يعكس وعياص تجاه مترجمينا بهذه الكاتبة وما تشكله من قيمة.
تنتمي روايات ارنو إلى الكتابة البيضاء التي يجد فيها البعض أنها لا تنتمي إلى الأدب أبداً، ومثال ذلك رواية (الاحتلال) التي صدرت سنة 2002، بعد أن كانت ارنو اختمرت تجربتها الأدبية وصعدت إلى صدارة كاتبات بلادها.
رواية (الاحتلال) التي نقلها إلى العربية الشاعر والمترجم اللبناني اسكندر حبش، تصنف كأغلب أعمال ارنو من الروايات القصيرة، وفيها تصوير حسي ودقيق ومباشر من دون إسفاف لعلاقات المؤلفة العاطفية من الرجل الذي أحبته وارتبطت به، ولكنها سئمت من تحكمه بحياتها، والمرأة التي وقعت في غرامها ولكنها وجدت نفسها تقع تحت سيطرتها، ولذلك أطلقت على الرواية هذا الاسم.. استكملت ارنو في هذه الرواية الخط الأدبي الذي انتهجته منذ روايتها الأولى (الساحة) بما يسمى التخيل الذاتي، حيث الحدث الأدبي هو ذاته الواقع ومعالجة الكاتب له تكاد تكون لا تتعدى السرد اليومي، فلا تكلف ولا مبالغة ولا تعقيد للصورة.
في رواية (الاحتلال) نجد واقعية جرأة مباشرة وفجة وصادمة في بعض الأحيان، وكأني بهذا التيار الأدبي التي غدت ارنو إحدى أعلامه، اتجاه مضاد للواقعية السحرية التي فتن بها كتاب أميركا اللاتينية العالم في القرن الماضي.. لقد وجد المترجم حبش في مقدمة الرواية أن ارنو ميالة لما يعرف بـ(المينيمالية) وتعني التبسيطية أو التقليلية، وتتركز على سبر أغوار كل ما هو حميمي على شكل يوميات أو سيرة ذاتية متخيلة مبتعدة عن كتابة القصة التقليدية المتخيلة، أما الانتماء إلى الطبقة البرجوازية فهو الميدان الفسيح الذي تلعب شخوص ارنو فيه.. كما تحافظ الكاتبة على أسلوبها ذاته في روايتها (المكان) والتي نالت عليها جائزة (رينودو)، وفيها تقص علينا صوراً عن علاقتها مع أبيها صاحب المقهى والبوجوازي المثقف مبتدئة من موته المفاجئ بأسلوب ممتع وعذب.
وتقول أرنو في مقدمة روايتها (المكان) التي نقلها للعربية المصريان أمينة رشيد وسيد البحراوي سنة 1994 : “كان علي أن أرفض أي إعادة بناء خيالية لحياة أبي وأن أحصر نفسي بنقل الوقائع، وكانت الكتابة المحايدة بلا حنين وبلا تواطؤ مع قارئ مثقف تتفق مع موقعي كراوية، لإعطاء صورة سليمة لحياة رجل عادي ما مكنني من استكمال مشروعي”
خلافا للاعتقاد السائد عند كثيرين بأن (نوبل) لا تمنح إلّا لكتاب موالين للصهيونية، فإن ارنو ذات الـ(82) عاماً تدعم الحق الفلسطيني وتقف بصرامة في وجه كيان الاحتلال الإسرائيلي حتى إن مؤيديه وصفوها بأنها (من أشد المؤيدين لحركة المقاطعة المعادية للسامية التي تسعى إلى تدمير “إسرائيل” من خلال المقاطعة والعقوبات)
لقد وقعت ارنو عام (2019) خطاباً مع أكثر من (100) فنان فرنسي آخر يدعو إلى مقاطعة مسابقة الأغنية الأوروبية، التي أقيمت في تل أبيب من التلفزيون الفرنسي عدم بث الحدث، وهي إلى ذلك ترفض التعاون الثقافي الفرنسي مع كيان الاحتلال وتقول عن ذلك (مقاومة تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” هي واجب أخلاقي على عاتق كل شخص ذي ضمير) وصنفت مراراً هذا الكيان بأنه (دولة فصل عنصري).