دمشق.. أبواب وبوّابات مزنّرة بالياسمين

تشرين-رنا بغدان:

عندما تلملم البيوت الدمشقية ياسمينها وتفترشه لتغفو في أحضان الليل العابق بعطر النارنج والكبّاد والفل, وعندما تتسابق العرائش لتتسلق الجدران العتيقة وتحتضن عناقيدها لتدفئها في عتمة الدجى… عندها يغلق الحرّاس أبواب وبوابات الحارات والأزقّة التي هدهدتها الورود الجورية لتنام مع ساكنيها بأمان وسلام، فيجلس الحرّاس تسامرهم المواقد شتاء وأباريق التوت الشامي والعرقسوس صيفاً حتى انبلاج الفجر ليفتحوا بواباتهم ويعلنوا بدء صباح دمشقي جديد مسيّج بقلوب أصيلة مشبعة بعطر الياسمين والورود الجورية. ‏

فقد كانت أحياء دمشق في عصورها السابقة مقسّمة إلى وحدات ومجموعات سكنية موزعة على أساس النسب أو الدين أو المهنة، وكانت الحارات والأزقّة والدخلات ضمن كل حيّ تشكل وحدة متكاملة لها حماماتها وسويقاتها وأماكن العبادة فيها.. ومن الطبيعي أن يكون لكل من هذه الأماكن نظام يحميها من غارات اللصوص والأشقياء والمعتدين، فكان أن جعل لكل منها بوابة أو باب يفتح أثناء النهار ويغلق في المساء أو عند توقع الخطر…وهكذا يسكن الناس إلى جوار الأقرباء والأصدقاء متعاونين متضامنين في كتل صغيرة من الدور تنفتح أبوابها على بوابات خارجية، تفصلها عن الأزقة الأخرى أبواب عامة متقدمة أو متأخرة على أزقة ضيقة ملتوية تنفذ إليها أبواب البيوت القديمة التي كانت تصنع على شكل مصغر من أبواب الحارات التي تعتبر جزءاً من تاريخ فن العمارة العربية القديمة والتي توقفت صناعتها منذ زمن بعيد..‏ وكانت هذه الأبواب والبوابات تصنع من الخشب قطعة أو درفة واحدة ومنها ما يغلف بالزنك تدق فيه المسامير على شكل تربيعات هندسية، وآخر خشبي من النوع المقوى بالمسامير البولادية، وقد يكون الباب بسيطاً له درفة واحدة أو كبيراً ضخماً مؤلفاً من باب مرتفع يتوسطه آخر صغير. ونختار بعض النماذج من أبواب وبوابات دمشق والتي رصدها الدكتور الباحث قتيبة الشهابي في مؤلفاته عن دمشق.‌‏

باب السريجة‏ ‏

يقع حي باب سريجة إلى الغرب من ساحة باب الجابية بين القنوات وقصر حجاج، وقد ورد أول ذكر لـه في مؤلفات العهد المملوكي ما يؤكد على نشوئه في ذلك العهد خصوصاً أن الضاحية الجنوبية لدمشق خارج السور نشأت في تلك الفترة. ولم يفسر أحد من المؤرخين معنى اسم “السريجة”.. واحتمال أن تكون اللفظة من العامية الدمشقية بعد قلب السين شيناً، أو أن تكون محرّفة عن السريانية. أما إطلاق اسم باب على هذه المحلة فهناك احتمالات: أولها أن يكون بمعنى نهاية أو طرف أو آخر المحلة وليس من الضروري وجود باب كما هو الحال في باب الله أو باب مصر، وثانيها: وجود بوابة فعلية في ذلك الموضع عندما كانت الحارات الدمشقية تزود بالأبواب أو البوابات، ومما يؤكد هذا الاحتمال وجود خريطة فرنسية وضعت أيام الانتداب.

هذا ونذكر من أبواب الحارات باب الآغا، الخواصين، الهوى.. لننتقل إلى بواباتها ومنها: بوابة الآس، زقاق البرغل، الشويكة، الصالحية، عين الكرش.. ‏ ‏

زقاق البرغل ‏ ‏

تقع بوابة زقاق البرعل في سوق النسوان داخل باب الجابية بين سوق القطن وجادة البدوي، وتعتبر نموذجاً لبوابات الحارات والأزقّة في دمشق في العهد العثماني، وتتألف من باب كبير خشبي مصفح بصفائح ومسامير معدنية وبضمنه باب صغير منخفض يعرف باسم “باب خوخة”، وهو الذي يفتح لمرور الراجلة من الناس عند إغلاق الباب الأكبر في الليل، وعلى المار منه أن يحني هامته كي يستطيع المرور من خلاله، عدا أنه لا يتسع إلا لمرور شخص واحد لضيقه وانخفاضه. ‏وأما سبب التسمية فقد يكون لصلته بتجارة البرغل آنذاك أو تسويقه أو طحنه.. والتسمية ترد منذ أوائل القرن العشرين كما في خريطة شرطة دمشق ويظن أن الاسم أقدم من ذلك… ولا تزال البوابة قائمة إلى يومنا هذا في مدخل الزقاق. ‏ ‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار