قطاع الدواجن “يتثاءب” ويتوعّد موائدنا بالدسم الناقص..وخبير يضرب موعداً مع الخواء إن لم نستدرك
تشرين-باسم المحمد:
تتعدد الآراء حول وضع الدواجن ومنتجاتها ما بين المستهلك الذي أصبح الفروج حلماً له في ظل عدم قدرة دخله على تأمين احتياجاته وبات غير قادر حتى على اشتمام رائحته، و خاصة أنه لا يرى الفروج إلّا في وسائل التواصل الاجتماعي على منصات بعض الطهاة أو متذوقي الطعام الذين يتفننون في تعذيب المشاهد لدى استهلاك أكثر من فروج في عرض واحد، أما المربي فانتقل من صفة المنتج إلى صفة المقامر بسبب الارتفاع المستمر في تكاليف الإنتاج وظروف عدم الثبات في السوق من ناحيتي العرض والطلب وأحياناً صعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج.
أما الجهات الحكومية التي تتفنن في توصيف الواقع بشكل صحيح فلم تتمكن حتى الآن من تقديم حلّ أو حتى مقترح أو على الأقل لم تعقد طاولة مستديرة تجمع الوزارات والمؤسسات المؤثرة في هذا القطاع مثل الزراعة ومؤسساتها والتجارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والجمارك وغيرها، فبقيت بعض الحلول المقدمة عرجاء بلا سند بسبب التعارض ما بين هذه الجهات، واستمرت التبريرات لسوء وضع القطاع بموجة الحر في فصل الصيف التي سببت نفوق نسبة من القطعان، وكأنها موجة الحر الأولى التي تمر بها البلد!
في إحدى الجلسات الخاصة أوضح أحد المسؤولين لـ” تشرين” أن تأمين العلف للثروة الحيوانية حالياً أهم أو يوازي استيراد السكر والرز لما له من آثار إيجابية على اقتصادنا وأمننا الغذائي، مشداً على استعمال شتى الوسائل لتأمين الأعلاف وفتح باب الاستيراد للأعلاف وعدم بقائه محصوراً بيد مجموعة قليلة من تجار الحرب، كما يجب تقديم كل التسهيلات وفتح جميع الأبواب لانسياب الأعلاف إلى أسواقنا، مبيناً أن المربين يجب أن يقوموا بتموين الأعلاف في أوقات الوفرة كما كان سابقاً، لكنه يستدرك مباشرة بأن قلة السيولة قد تقف عائقاً أمام هذا الطرح.
من جهته وزير الزراعة في لقاء أمس أكد أن احتكار الأعلاف غير موجود في أسواقنا، والسبب في ارتفاع أسعار منتجات الدواجن هو ارتفاع التكاليف، حيث يكلف الفروج 16 ألف ليرة ثمن صوص و4 كغ أعلافاً فقط من دون حساب بقية التكاليف، وتالياً فإن هذا الارتفاع في أسعار المبيعات لا يحقق للمربي أرباحاً كبيرة.
تحذير
وفي سياق متصل حذّر الدكتور البيطري الدكتور بهاء العقباني المتخصص في تربية الدواجن وأحد كبار المربين في محافظة السويداء من أن القطاع يلفظ أنفاسه الأخيرة، فسعر كيلو العلف حالياً يزيد على ٤٠٠٠ ليرة، وارتفعت أسعار الصوص بسبب إقبال المربي على تنزيلها في آخر أيام الصيف طمعاً في توفير المحروقات، وتالياً ما يوفره في المحروقات يدفعه على الصوص، ومن المعلوم أنه عندما يتحسن سعر الفروج ويبدأ المربي بتعويض خسارته الماضية يزداد الطلب على الصوص وهنا يبدأ صاحب المفقس برفع سعر الصوص حتى يصل الى 4700 ليرة وهذا سعر خيالي.
وأشار العقباني إلى أن الواقع يفتقد للخطط الحكومية المعنية بالثروة الحيوانية، إذ توجد فوضى في الأسعار وعدم تنسيق بين “التموين” والزراعة والمربين للثروة الحيوانية عن ماهية التكلفة والضغوطات التي يتعرض إليها المنتج، واليوم تكلفة كيلو الفروج تلامس ١١ ألف ليرة .
خسارات كبيرة
وأكد العقباني أن المربين مقبلون على خسارات كبيرة في دائرة الإنتاج وبعدها بفترة سيتعرض السوق لفجوة نتيجة خروج المربين من دائرة الإنتاج وسنعود الأسعار خيالية لا تناسب دخل المواطن وخاصة بداية العام الجديد، وهذا ما أصبح دوامة روتينية، وحتى الآن لا يوجد ضبط من قبل الجهات المعنية لمقومات الإنتاج والاستهلاك على حدٍّ سواء، فالتكلفة تتضاعف كل عام، والمربون يتناقصون، حتى نصل إلى نقطة نهاية لا ندري مدى تأثيرها على الاقتصاد الوطني وقوت المواطن.
٢٠% فقط
وحسب العقباني فإن نسبة المربين المستمرين في الإنتاج حالياً لا تتجاوز ٣٥% من الطاقة الإنتاجية الحقيقية، و إذا استمر الوضع على هذه الحال فلن يبقى أكثر من ٢٠% من المربين، وهذه كارثة لأن مادة الفروج ستصبح حلماً لأغلبية المستهلكين، وكذلك الأمر بالنسبة لمادة البيض الذي سيتابع سعره بالارتفاع بسبب خروج بعض المربين سابقاً، ناهيك بأننا مقبلون على فصل الشتاء حيث ينخفض إنتاج القطيع بسبب البرد وبالتالي المزيد من ارتفاع سعره مع بداية العام القادم.
الأعلاف
ولفت العقباني إلى أن تجار الأعلاف يستغلون ضعف المربي ويأخذون مخصصاته العلفية ومن ثم يبيعونها علفاً جاهزاً بأسعار مرتفعة، فعندما تصدر دورة علفية للمربين والتي يكون القصد منها دعمهم بمواد علفية منافسة لسعر السوق تكون هذه الدورة (ذرة +صويا) كمواد خام، والمربي لا يستطيع تقديمها للقطيع بهذا الشكل، لهذا يلجأ لبيعها لصاحب معمل علف بمربح بسيط، ومن ثم صاحب المعمل يصنع العلف الجاهز من المواد المخصصة للمربي ويبيعها بسعر السوق وهنا المربي لم يستفد شيئاً من الدعم المقدم له . مقترحات
وهنا يقترح العقباني حفاظاً على هذا القطاع الغذائي والاقتصادي المهم التنسيق بين الجهات المعنية وتأمين التوازن بين التكلفة والأسعار، وفتح دورات علفية بعلف جاهز وليس مواد خام، ووضع سقف لسعر الصوص يتماشى مع التكلفة ووضع هامش ربح بسيط بحيث تهون التكلفة على المربي، فأصحاب المفاقس يستغلون المربي بوضع أسعار خيالية للصوص لا تتناسب مع الواقع الإنتاجي.
مؤسسة الأعلاف
“تشرين” نقلت هذه المعلومات إلى المدير العام للمؤسسة العامة للأعلاف عبد الكريم شباط الذي أوضح أن تصنيع العلف الجاهز حالياً غير ممكن بشكل مستمر، لأن ذلك يتطلب توافر المكونات مع بعضها البعض، وحالياً لدينا في المستودعات ١٨ ألف طن ذرة وهي كمية قليلة مقارنة باحتياجات القطاع، لكن خلال ساعات ستصدر تسعيرة استجرار مادة الذرة من المزارعين ومن المتوقع أن تصل كمية الإنتاج إلى ٤٠٠ ألف طن وهي تكفي ٤٠% من احتياجات القطاع تقريباً، مشيراً إلى توجه المؤسسة نحو استئجار مجففات من القطاع الخاص رغم أن طاقاتها صغيرة مقارنة بالمجففات التي كانت موجودة لدى المؤسسة وتعرضت للتخريب أو السرقة على أيدي الإر*ها*بيين.
كان يا مكان
قبل الحرب كانت صناعة الدواجن تحتل حيزاً مهماً على الخريطة الاقتصادية والغذائية والاجتماعية نظراً لضخامة رؤوس الأموال المستثمرة فيها وارتفاع عدد العاملين الذين كانوا يشكلون نسبة 20 من العاملين في القطاع الزراعي، وكانت سورية في مقدمة دول المنطقة العربية المنتجة للدواجن بعد مصر والسعودية، وبلغ حينها عدد الطيور الداجنة نحو 370 مليون طائر تنتج 3.5 مليارات بيضة ونحو 200 ألف طن من لحم الفروج سنوياً.
وكانت لحوم الدواجن تسهم بحوالي 54% من إجمالي استهلاك المواطن من جميع أنواع اللحوم، كما تسهم منتجات هذا القطاع بتوفير حوالي 42% من استهلاك المواطن من البروتين الحيواني، أيضاً شكل قطاع الدواجن ثقلاً مهماً في موضوع الصادرات حيث تجاوزت صادراته عام 2009 على سبيل المثال 15 مليار ليرة.