توقيعُ الفنانين على أعمالهم.. بصمةٌ أم غرورٌ؟!
تشرين- ديما الخطيب:
ترك الفنانون عبر العصور تواقيعهم الشخصيّة على مختلف أعمالهم الفنية، فمنهم من استطاع إخفاء محياه داخل توقيعه، ومنهم من احتاج وقتاً للتدقيق في عمله الإبداعي بحثاً عن هذا التوقيع، ومنهم من اكتفى بأسلوبه المميز والفريد كتوقيع خاص.
ولعل الفنانين التشكيليين الإيطاليين هم أول من فقدوا تواضعهم، وبحلول نهاية القرن الخامس عشر، لم يترك جميعهم تقريباً التوقيعات على أعمالهم فحسب، بل أشاروا أيضاً إلى وقت الإنشاء وقدموا التفسيرات اللازمة للوحات القماش..أحد الأمثلة المدهشة لتوقيعات الفنانين في لوحات هذه الفترة هو توقيع «ألبريشت دورر» الذي كانت أقدم أعماله دائماً مصحوبة بتعليق تفصيلي.. و«أنا ألبريشت دورر من نورمبرج، رسمت نفسي بألوان أبدية في سن 28.»
هذا التوقيع تركه دورر على «صورته الذاتية على صورة المسيح»، عام 1550م.
التوقيع على العمل الدرامي
لم يكن التوقيع على الأعمال الفنية حكراً على الفنانين التشكيليين، فقد استطاع الكثير من المخرجين العالميين والمحليين ترك بصمتهم الواضحة على الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية التي قاموا بإخراجها، عن قصد وأحياناً عن غير قصد.. إذ صرنا اليوم أقدر على التقاط أنفاس محمد عبد العزيز منذ فيلمه «الرابعة بتوقيت الفردوس» عام 2015 وحتى آخر أعماله الدرامية والخيال العلمي الذي بدأ عرضه مؤخراً «البوابات السبع»، إذ نجح عبد العزيز في تطويع التقنيات السينمائية لمصلحة العمل الدرامي، في تجربة جديدة لم ينجح فيها الكثيرون، وتميّز عبد العزيز بعمق محاكاته وتحليله للنص السينمائي أو التلفزيوني وبرؤية ذات زوايا مختلفة من عين عدسته، التي كانت هي بصمته الخاصة والمميِّز الأول لأعمال مبشّرة بقادمٍ عالمي.. كذلك تركت المخرجة رشا شربتجي بصمتها الخاصة على أعمالها الدرامية، حتى صار أي متابع عادي قادراً على التكهن باسم مخرجة العمل من الحلقة الأولى، فهي ذات طباع حادة في التعامل مع الفنانين، إذ لا يمكن لأحد ممثليها إلّا أن يبدو مقنعاً في أدائه التمثيلي، من أكبر النجوم وحتى أصغر كومبارس، وكان الاهتمام بأدق التفاصيل وأشدّها بساطة في كادر الرؤية، واستنطاق أعمق المشاعر في تعابير وجوه الممثلين هما بصمة شربتجي الواضحة.. بدوره، المخرج الشاب سدير مسعود الذي أطرب أذهاننا وأمتعنا وشدّنا من خلال عملين دراميين عبر منصات إلكترونية هما «قيد مجهول» و«منعطف خطر» ترك لنا بصمة ميّزت أعماله بطريقة ذكية ومحدثة، فكان قوياً وخلّاقاً ومتماسكاً في معالجة النص المعقد، وعبقرياً في إدارة الممثلين وجعلهم بمستوى قوة النص وتمكينه لبقية العناصر بالرصانة والسلاسة ذاتها.
كما بدا لنا ظهور مسعود مخرجاً مراقباً ولو في لقطة لا تتجاوز الخمس ثوانٍ أثناء إخراج إعلان تلفزيوني أو لقاء على الهواء مثلاً، بدا وكأن مسعود يوقع توقيعه الممتع على لوحاته الدرامية، مشوقنا إلى المزيد.
من حق كل مبدع أن يوقّع على عمله الفني، فهو من فكّر به ورفعه وبناه قطعةً قطعةً، باذلاً في سبيله كل مجهود ممكن، غير موفّر لأجل إنجاحه أي طاقة أو جهد أو فكر أو وقت، ليخرج لنا بتحفةٍ فنيّة رائعة على اختلاف انتمائها الفني.