49 عاماً على ملحمة التحرير.. راية المقاومة والصمود خفاقة..
مها سلطان
49 سنة مرت والأسئلة نفسها ما زالت مستمرة.. لماذا حرب تشرين التحريرية ما زالت ملفاً مفتوحاً.. لماذا (إسرائيل) مازالت تخشاها.. لماذا الغرب ما زال يخشى حرباً مماثلة رغم اتساع رقعة «التطبيع» شرقاً وغرباً، وبعد 12 عاماً من الخراب العربي، والذي لا يزال مفتوحاً على المزيد والمزيد.. لماذا وأمة العرب اليوم في المرحلة الأشد سواداً وقتامة، والأكثر انقساماً وتشرذماً… لماذا الخوف من أن الأمة- أو لنقل بعضها- قادر على صنع حرب تحريرية جديدة.. هل كانت حرب تشرين بهذه الخطورة الوجودية الكلية على (إسرائيل) (والنفوذ الغربي في المنطقة).. وهل كان ربيع الخراب العربي المؤامرة الأكبر في سبيل منع حرب مماثلة؟
في كل عام من الـ49 عاماً الماضية لم يكن لحرب تشرين التحريرية إلّا أن تكون حاضرة. صحيح أنه حضور يختلف بين ساحة عربية وأخرى، وبين عرب و غرب، إلّا أنها كانت حاضرة.. وصحيح أن سورية ومصر هما أكثر من يصّر على إبقائها حيّة وإدامتها راية نصر مرفوعة وشاهداً على روح أمة انبثقت بكاملها لمقارعة العدو وتحقيق النصر، إلّا أن حرب تشرين التحريرية تحضر على الساحة الغربية – الإسرائيلية (في كل 6 تشرين الأول من كل عام) تحضر روحاً وجسداً إذا جاز لنا التعبير، تحضر وكأنها وقعت بالأمس.. حرب فُتحت ولم تنتهِ، ولن تنتهي مادامت هناك إمكانية واحد بالمليون أن تعيد الأمة توحيد نفسها وأن تخوض حرباً عظيمة جديدة كما فعلت في 6 تشرين الأول عام 1973..
هذا الواحد بالمليون ما زالت سورية ترفعه وسط الدمار والخراب الذي يتضاعف ويتسع حولها على امتداد الأمة.. هذا الواحد بالمليون يغدو مع سورية ملايين السوريين (جيشاً وقيادة) ما زالوا يؤرقون اطمئنان الغرب و(إسرائيل) لـ «ربيع» أرادوه النَفَس الأخير في أمة العرب.. «ربيع» سجل حتى الآن 12 عاماً وقوفاً على أبواب سورية.. ليبقى «النَفَس الأخير» للأمة، سورياً، ومستمراً.. وليبقى ملف تشرين مفتوحاً.. سورية وحدها من يغلقه.. وحتى لا يقال إننا نبالغ، سورية كفيلة بالنضال دائماً وأبداً حتى تستعيد الأمة روحها من جديد كما فعلت في عام 1973 بعد مرارات نكسة الـ 67 وما سبقها من هزائم وانكسارات.
هذه هي سورية التي يخشاها الغرب والتي افتعل لأجلها أزمات واضطرابات وحروباً في العديد من الساحات العربية وصولاً إلى «الربيع العربي».. وكانت سورية في كل مرة تخرج أقوى، لتمثل الاستثناء، وما كان لـ(إسرائيل) أو أميركا أن تتجه يوماً للتفاوض أو تطلبه إلّا بعد حرب تشرين التحريرية.. لقد أدركت يقيناً أن لا تفوق عسكرياً يحميها، أن لا دعماً أميركياً.. استطاعت حرب تشرين أن تحطم نظرية الأمن الإسرائيلي (والجيش الذي لا يقهر) وأن تجعل بنيان الحرب الوقائية ينهار في أيام قليلة أمام عيون الإسرائيليين من دون أن يستطيعوا فعل شيء..
منذ الأيام الأولى للمفاوضات التي قادها كيسنجر كان هناك تيقن أميركي إسرائيلي بأن سورية الرقم الأصعب الذي لن يستطيع أحد تجاوزه، لذلك ولأربعة عقود مضت (قبل الربيع العربي) كان التركيز الأميركي- الإسرائيلي الأشد هو على سورية.. كل أزمة وكل حرب اندلعت في المنطقة كانت سورية أحد أهدافها الرئيسة، لكن سورية كانت جاهزة دائماً وعرفت كيف تبني استراتيجية مواجهة شاملة وفق عقيدة سياسية وعسكرية صلبة باتجاهين:
الأول، نحو حلفاء موثوقين مؤثرين داخل المنطقة (إيران مثلاً) أو خارجها (الاتحاد السوفييتي حينها وروسيا حالياً).
والثاني، بناء قوة ردع بقدرات عسكرية نظامية وبأحدث الأسلحة الممكن الحصول عليها من الأصدقاء والحلفاء هذا من جهة، ومن جهة ثانية دعم حركات المقاومة العربية (المقاومة اللبنانية هزمت (إسرائيل) مرتين عام 2000 وعام 2006).
مع ذلك لم يتوقف الاستهداف ولا التآمر متخذاً وجوهاً جديدة تمثل أخطرها فيما يسمى «الحرب داخل الأسوار» أي استهداف سورية من الداخل.. كانت البداية عبر تحريك جماعة الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي مروراً بالكثير من الاستهدافات التي استطاعت سورية التغلب عليها وصولاً إلى «الربيع العربي» الذي كان هدفه النهائي سورية.
لذلك؛ مادامت سورية باقية صامدة تناضل وتقاتل ستبقى حرب تشرين وروح التحرير حية متقدة، وسيبقى نصر تشرين حياً يأبى أن يموت..
ستبقى سورية تحتفي بـ6 تشرين من كل عام حربَ مقاومةٍ ونضال ونصر لها وللأمة.. وانكساراً وهزيمة للعدو الإسرائيلي وداعميه..