غابات الساحل ضمن دائرة خطر  محدق… أستاذ جامعي يتهم الفقر .. و”الزراعة” تتحدث عن مسؤوليات مجتمعية

تحقيق: بارعة جمعة

هناك على المقلب الآخر من البلاد، يعيش أناسٌ همهم الوحيد تأمين قوت يومهم، وجوههم حزينة وعقولهم تائهة، أمام ما يحيط بهم من مخاطر، جُلها من صنع البشر، وفي كل عام تلتهم النار محاصيلهم ومزروعاتهم، وكأنها باتت طقساً من طقوس الطبيعة المتقلبة، كحال الكثير من الكوارث البيئية التي عجز المجتمع عن معالجتها، أو الوصول لصيغة عمل موحدة للحد منها.

استشعار عن بعد

وأمام النتائج الكارثية التي أطاحت بمساحات واسعة من الغطاء النباتي في الساحل السوري، وبعض المناطق التي تكثر فيها الحراج والغابات، تبرز أهمية المراقبة المستمرة لهذه المناطق، ولاسيما أنها باتت من البديهيات للعاملين في حقل الرصد والمتابعة لها، واليوم تشكل منصة الحرائق الجهة الأولى المسؤولة عن تشخيص مستويات الخطورة، التي قد تصل لها احتمالات نشوب حريق في منطقة ما، وهو ما يقوم عليه عمل فريق هذه المنصة حسب تأكيدات الدكتورة  “روزة قرموقة” ل “تشرين” المسؤولة في منصة الحرائق بالهيئة العامة للاستشعار عن بعد، وذلك عبر الخرائط التي تعد بمثابة توعية لكل مهتم بالأيام والمواقع الأشد خطورة، وبالتالي الامتناع عن أي نشاط يسبب الحريق، والتنبه في حال حدوثه، يضاف إلى ذلك المداخلات من خلال وسائل الإعلام بالتوجه إلى  المجتمع المحلي، بصفته جزءاً أساسياً في عملية إدارة حرائق الغابات قبل وأثناء الحريق.
وفي النظر للتوزع السكاني الذي يحيط بالغابات، سنجد بأن غالبية الكتل الرئيسية للغابات السورية تحيط بالمجتمع المحلي، كما أن غالبية المنازل موجودة عملياً ضمنها أو ملاصقة لها، والتي ستؤثر حتماً على الحراج برأي الدكتور في قسم الحراج والبيئة في جامعة تشرين “محمود علي” ، وذلك من خلال توصيفه ل”تشرين” سلوكيات عدة أبرزها قيام الأنشطة الزراعية من قبل المزارعين، سواء عن قصد أو من دون قصد.

العدو الأول

كما أنه من الطبيعي لجوء هؤلاء المزارعين للبحث عن مصدر دخل إضافي، وبالتالي اللجوء لتأمين الأحطاب والنباتات العطرية والطبية والصالحة للأكل وبعض المواد العلفية لحيواناتهم، وهو أمرٌ قانوني ولكن ضمن اشتراطات محددة برأيه، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الفقر والعوز هما المحرك الأساس للفرد في اللجوء للبيئة المحيطة به.
إلا أن لبعض ممارسات وسلوكيات المزارعين القائمة على “التفحيم” غير المرخص كوسيلة لتأمين وقود الشتاء، وذلك بطرق ووسائل خاطئة، ما يجعل النيران تتجاوز “المترب” المخصص لهذا الفعل، نتيجة مغادرتهم المنطقة خوفاً من الضابطة الحراجية، وبالتالي امتداد النار إثر انفجار المترب لمساحات واسعة نتيجة الهواء، وهي ظاهرة تستدعي النظر لها برأي الدكتور محمود علي، وذلك عبر تشريع عملية التفحيم وفق اشتراطات معينة من الحراج، وبإشراف عناصر الحراج أنفسهم، والذي بدوره سيقلل من خطر الحرائق التي ستبدأ مستقبلاً، إذا ما تم بشكل صحيح.
وللتقليل من مخاطر تتعلق بالتحريق الزراعي الذي يتم في أوقات الخطورة العالية ومن دون اتخاذ الحد الأدنى من الاحتياطات من قبل المزارع، لا بد من العمل على تنفيذ هذه العملية ضمن أيام حقلية في القرى المجاورة للغابات برأي الدكتور علي، وتعليم المزارعين كيفية التخلص من المخلفات بطرق آمنة، مثل تخميرها بحيث تعود على المزارع نفسه بالمنفعة كعائد اقتصادي له، واعتماد الحصول على إذن رسمي للقيام بهذه العملية أيضاً.

تشاركية المنفعة

كما تؤكد كافة الدراسات التي أجريت لعلاج ظاهرة الحرائق، على أهمية إشراك المجتمع المحلي في هذه العملية، وهو أمر ليس بالسهل ويحتاج لجهد ووقت كبيرين برأيه، كما أنه لا يشكل أداةً سحرية لحماية الغابات، ولا يلغي بقية الإجراءات المطبقة لتجنب حدوث الحرائق، إلا أنه وبحسب القانون رقم 6  للعام 2018 القائم على النهج التشاركي، والأمل بأن يبصر النور قريباً حسب تأكيدات الدكتور محمود علي، فالمسارعة في تطبيق وتنفيذ هذا النهج، هو لمصلحة الطرفين، وذلك من خلال إشراك السكان في إدارة الغابة، لقاء دخل مقبول من منتجاتها، والتي ستصدر من مخلفات أعمال التربية والتنمية مثل: (التقليم، التفريد، والتنظيف)، والتي بدورها ستخلق نوعاً من الرضى لهذه المجتمعات، والذي سيسوق حتماً لخلق نوع من الخوف على مستقبلها وحمايتها من كافة التعديات التي ستطالها مستقبلاً، لارتباط دخل هذه الفئة بالغابة وزواله بزوالها، وخلق روح التعاون من قبلهم مع السلطات الوصائية على الغابات.
ولأن لتضافر الجهود الحكومية والمحلية دوره الأكبر في الوصول لصيغة عمل صحيحة، ولكون المجتمع المحلي على تماس مباشر مع الغطاء النباتي والأقرب للوصول إليه والأسرع في التدخل الأولي لمعالجة أي طارئ، لا بد من تنظيمه ضمن إطار يحقق فاعلية أكبر ويعود بالمنفعة على كافة أفراده، وهو ما تسعى إليه وزارة الزراعة حسب تأكيدات المهندس “باسم سلوم” مدير الحراج في الوزارة، الذي أوضح في تصريح ل”تشرين” أنه من خلال تعديل قانون الحراج الجديد سيتم إيجاد إطار قانوني لآلية النهج التشاركي مع المجتمع المحلي، كما تعمل الوزارة على تفعيل دور اللجان الأهلية التي من المفترض أن تشكل خط الدفاع الأول ضد الحرائق، وذلك بتنظيمها وفق إطار ومنهجية تمثل كافة أفراد المجتمع، ووضع برامج توعية وتأهيل لهم، ومن ثم إخضاعهم لدورات تدريبية للتدخل السريع وإخماد الحريق، بالإضافة لدمجهم في عملية حماية وتنمية الغابة مقابل الحصول على الاستفادة من منتجاتها مثل الإنتاج الخشبي، بحيث يتم توزيعه على المشاركين في الإخماد، ريثما يتم الإبلاغ ووصول فرق الإطفاء.

تجهيزات مسبقة

ومن جانب آخر، أكد سلوم عمل الوزارة على محور تأمين البنى التحتية اللازمة لإخماد حرائق الغابات من مراكز إطفاء وتجهيزها بالعدد والأدوات ووسائط النقل اللازمة ووضعها في حالة جهوزية تامة على مدار /24/ ساعة، وخاصة في موسم اندلاع الحرائق ، بالإضافة الى إنشاء أبراج مراقبة للكشف عن بدء حدوث الحريق والإبلاغ عنه لغرف العمليات في المحافظة، عدا عن المخافر الحراجية التي تتوضع ضمن المواقع الحراجية لمراقبة أي تعدٍّ على الغابة والقيام بأعمال التوعية لزوار الغابة وتوجيههم إلى ضرورة إخماد النيران التي تم استخدامها قبل مغادرة الموقع، وتقوم الوزارة بالتنسيق مع الجهات المعنية لتفعيل دور الطائرات في إخماد الحرائق وخاصة في المواقع الوعرة ذات الطبيعة الطبوغرافية القاسية، إضافة لوضع خطة الحرائق ببداية كل عام حسب مستوى كل محافظة، بمشاركة الفعاليات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني.
وفي النظر لتفاصيل قانون الحراج الجديد، ستجد بأنه يركز بشكل كبير على المسؤولية المجتمعية في حماية الغابات حسب توضيح سلوم، عدا عن كونها مسؤولية حكومية أيضاً، داعياً الجميع للمحافظة على الغابات لكونها المتنفس الوحيد لنا جميعاً.

إجراءات وقائية

وإذا ما وصلنا إلى نتيجة مفادها تشاركية العمل والمنفعة، لا بد لنا من النظر أيضاً لبعض العقبات التي لا زال يعاني منها العمل، وهنا لا بد من توجيه دعوة للجهات العامة برأي الدكتور محمود علي للنظر في أعمال صيانة مصدات النار بالشكل المناسب، وصيانتها قبل عام من موعد الكارثة البيئية، والتوسع في شق الطرق الحراجية بمساعدة مهندسين مدنيين، لضمان وصول فرق الإطفاء لمناطق الحريق ، وإجراء عمليات تنظيف للطرقات المارة في الغابات وحرم المنشآت والمنازل المجاورة للغابات من البقايا العضوية وذلك كل عام، ومساعدة دوائر الحراج وتجهيزها بمنظومة اتصال لا سلكي مناسبة كماً ونوعاً، تغطي كافة المناطق الحراجية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار