منطق أعوج

من أكثر الأمور التي تزعج أستاذ المنطق القدير أبو محمود في تعاطيه مع ما حوله، هو اللامنطق الذي يسودها، ويتغلغل في ثناياها، فمثلاً لأنه يسكن في إحدى ضواحي دمشق، فهو مضطر لأن يستقل باصاً للنقل الداخلي من البرامكة كي يصل إلى بيته، لكن الشركة الخاصة المخصصة بذاك الخط، بسائقيها ومراقبيها، يتعاملون مع المواطنين بمنطق فوقي أعوج، إذ بعدما يركن السائق باصه في الموقف المحدد، يأبى أن يفتح البابين كي يصعد الرُّكاب، بل يقف عند درج الباب الأمامي ولا يسمح بصعود أحد حتى يدفع له الثلاثمئة ليرة، بحجة أنه بذلك يتأكد من دفع جميع الركاب أجرتهم، وهنا يبدأ التدافع للحصول على كرسي، أو حتى موطئ قدم داخل هذه الحافلة الحمراء، في حين أنه ببساطة يمكن السماح للركاب بالصعود، وبعدها يتم جمع الأجرة من جابٍ ما، أو حتى من أحد مستقلّي الباص. والأنكى أنه رغم الزحام الهائل، وعدم قدرة تلك الحافلة على استيعاب جميع الركاب، حتى ولو تكدَّسوا كالمكدوس فوق بعضهم، إلّا أن مراقب الخط لا يسمح لباص ثانٍ أن يقترب من الموقف إلّا بعد أن يتأكد من امتلاء الحافلة “لِدِيِنِها” كما يُقال، وعدم قدرة ولو راكب واحد على الصعود، فضلاً عن رغبة السائق العارمة بمزيد من الرُّكاب الذين يتلقفهم على الطريق، وذلك بسبب نظام حوافز له يتعلق بعدد البطاقات التي يقطعها خلال دوامه، ما يجعله كلَّما خَلَّل المواطنين المضطرين للاستفادة من خدمات ذاك الباص أكثر، زاد أجره، وهو ما يجعله طمَّاعاً بشكل مضاعف، وشَرِهاً بطريقة لا إنسانية، ولو كلَّفه ذلك تحميل حافلته أضعاف ما تتحمله، وهو ما سيؤدي بعد فترة من الزمن إلى إحالتها إلى “مقبرة الباصات”، خاصةً أنها مخصصة لخمسة وعشرين راكباً، لكن من يصعد فيها في كل مرة يتجاوز مئة في أقل الأحوال، فما هذا المنطق الأعوج بجاه كل من له جاه؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار