لا نستطيع الحديث عن أي تطور اقتصادي مهما كان نوعه من دون المرور بالحديث عن القطاع العام, لأنه الحامل الأكبر له بكل أبعاده ومكوناته وبناه التحتية والخدمية، وما يترتب عليها من نتائج تؤمّن مصادر القوة المستمرة، وما حدث خلال سنوات الأزمة خير دليل لقوة هذا المكون في الاقتصاد الوطني، حيث كان العمود الفقري لتحمل تبعات الأزمة، وتأمين المستلزمات بدءاً من معيشة المواطن وصولاً إلى ما يمكن تأمينه لاستمرارية عجلة الإنتاج , وهذه مسألة تحسب ولا يمكن النقاش حولها، لأن القطاع العام (خدمي– إنتاجي) كان الحامل الأكبر لتحمل المسؤولية الكاملة إلى جانب القطاع الخاص الوطني, وأركز هنا على (الوطني) لأن الحالة الأكبر منه كانت تسعى لاستثمار الأزمة وظروفها الصعبة, والحرب وسنواتها المؤلمة..!
إلّا أن ظروف تطوير القطاع العام لم تستكمل بعد, رغم كل الدراسات والإستراتيجيات التي رسمتها الحكومة والجهات التابعة, واتخاذ إجراءات فعلية على أرض الواقع , لكنها لم تستثمر بصورتها المطلوبة, ولم تعطِ نتائج مباشرة يتلمسها أي مواطن, وليس العامل على خط الإنتاج, أو آخر يقدم خدمة لأن المطلوب كبير جداً , والمتوافر من معطيات أقل بكثير ..!
لكن الأكثر توافراً والذي لم تسعَ الجهات المعنية (حكومية وخاصة) هو الاستثمار في العقل البشري الذي مازلنا نحوم جميعاً حول هذه من دون تسجيل خطوات متقدمة بهذا الاتجاه، تلبي مستوى طموحنا من تلك الإستراتيجيات والدراسات التي أعدت لتطوير قطاعنا العام، وإعادة ترميمه، وتأهيل ما أصابه من دمار نتيجة الحرب الكونية وأدواتها التخريبية، رغم وجود حالات نجاح كبيرة تختلف من قطاع لآخر، لكن السمة المشتركة حالة الضعف في استثمار عقول خبراتنا والكفاءات التي رفضت مغادرة مواقع العمل من جهة, والعقل المفكر والمبدع الذي يظهر باختراعات وإبداعات من جهة أخرى، لو استثمرنا فيها لاستغنى اقتصادنا عن حالته الاستيرادية بكليتها..!
لكن للأسف مازلنا لم نستثمر بعد أصحاب العقول المبدعة, والمؤسف أكثر أننا نملك رؤوس الأموال الضخمة للاستثمار فيها ونتجاهلها, ونملك مقومات ترجمتها ونبتعد عنها, ونستطيع محاكاتها ونركنها في أدرج الطاولات, أو في المستودعات والأقبية ليأكلها (العت) وتقادم السنون , وبذلك نكون دمرنا ما نحتاجه بأيدينا , وإثبات ذلك ليس بالأمر الصعب، دوائر حماية الملكية في المحافظات وما تحتويه من سجلات تحكي قصص إبداعاتنا واختراعاتنا المنسية, والأخطر منها, ما تحتويه شركاتنا الإنتاجية والخدمية من كفاءات وعقول مفكرة مركونة بالمكاتب والدواوين تبحث عن مشجع لترجمة فكرها على أرض الواقع , لكن حالة الاستبعاد هي المسيطرة والخاسر الوحيد هو الوطن والمستفيد أصحاب المنافع والمناصب , خوفاً على فسادهم وسلطتهم, فهل يطول بنا الأمر حتى نستثمر عقولنا المفكرة والمبدعة لإنهاء مهزلة ما يحدث في قطاعنا العام وغيره..؟!
نأمل أن يتحقق ذلك ونحن مازلنا على قيد الحياة وهذه ليست أمنيتي، بل هي أمنية الملايين من أبناء بلدي الشرفاء!..
سامي عيسى
165 المشاركات