وقائع مطمئنة والمشهد النقدي إلى انفراجات تدريجية… وإجراءات المركزي تقلّص الفارق بين السعر الرسمي و ” الموازية” والمضاربون بدؤوا بالانكفاء
تشرين – يسرى المصري:
ما القصة؟!
رفع مصرف سورية المركزي مؤخراً سعر الصرف بالنسبة لنشرة المصارف والصرافة من 2814 إلى 3015 ل.س/$ وبزيادة مقدارها 7% إضافة إلى رفع سعر صرف نشرة البدلات من 2525 إلى 2800 ل.س/$ وبزيادة مقدارها 10.8% ورفع سعر لتسليم الحوالات الشخصية من 2800 إلى 3000 ل.س/$ وبزيادة مقدارها 7% أيضاً.. والسؤال الذي يطرح بالسر والعلن: هل الليرة السورية بخير ؟!
جميع مؤشرات السوق لا تزال تشير إلى وجود حالة من الاستقرار، بعيداً عن الضخ السلبي الذي يجري على بعض القنوات ووسائل التواصل الاجتماعي، فجميع مؤشرات السوق تؤكد أن حركة البيع والشراء طبيعية ومتقاربة منذ بداية العام 2022 وتعاملات بورصة دمشق تزيد بشكل مستمر، ولاسيما بعد طرح سندات الخزينة، وأمام ضرورات استيراد المشتقات النفطية والقمح وسلع كثيرة أخرى بالدولار، ورغم تراجع موارد الخزينة، إلّا أن الاتفاقيات التي تسمح بتبادل السلع بالعملات المحلية ساهمت في إيجاد بيئة متوازنة نسبياً لليرة السورية .
وفي حين يقوم المصرف المركزي بالتعاون مع الضابطة المعنية بوزارة الداخلية بالرقابة على مناطق الصيرفة، بمنطقتي “المرجة والحريقة” بالعاصمة دمشق، إلّا أن الإقبال على الدولار ومن شريحة التجار خاصة يجد قنوات نظامية وتسهيلات عبر تعليمات أعطيت لمراكز وشركات الصرافة النظامية .
ويعدّ إجراء الحكومة عبر بيع سندات خزينة، بهدف سحب جزء من فائض سيولة العملة السورية “إجراءً ناجعاً”، بدليل رفع المصرف المركزي سعر صرف الليرة .
وحسب مراقبين؛ فقد انتعشت سوق دمشق للأوراق المالية بعد فتح المجال-أمام المستثمرين وشركات الوساطة والمؤسسات الخاصة- لشراء الأوراق المالية الحكومية “سندات الخزينة” التي طرحتها للاكتتاب العام، ضمن المزاد العلني في 8 آب الشهر الماضي.
ووسط إقبال المستثمرين والشركات الخاصة على شراء السندات التي طرحتها وزارة المالية بقيمة 227.6 مليار ليرة سورية، ما دفع وزارة المالية لـ”التنسيق” مع المصارف والشركات الخاصة، لشراء السندات حيث فاز بالمزاد ستة مصارف من أصل سبعة عملاء بعد تقدم 23 عارضاً.
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور ربيع قلعجي أنه يمكن تقسيم العوامل التي أدت إلى تغير سعر الصرف بالنسبة للدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية والذي أصدره المصرف المركزي إلى عاملين رئيسين:
الأول داخلي: حيث إن سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في السوق السوداء غير منضبط وهو في حال تغير دائم وباتجاه صعودي، ومن الطبيعي في مثل هذه الأحوال أن تقوم إدارة المصرف المركزي باتخاذ إجراءات من شأنها مقاربة السعر الرسمي مع السعر في السوق السوداء.
والثاني خارجي: حيث إن هناك مجموعة من العوامل المتعلقة بالوضع الاقتصادي العالمي الذي يعاني من التضخم وزيادة أسعار السلع وأجور نقلها (أزمة كورونا- أزمة الشحن العالمية – أزمة قناة السويس – العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا…الخ ) الأمر الذي انعكس بشكل كبير ومباشر على زيادة الأسعار في السوق المحلية وخاصة الغذائية منها، وبالتالي كان لابدّ من قيام المصرف المركزي بهذا الإجراء للوصول جملة من الأهداف .. الأول…تخفيض الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق السوداء….والثاني…ضبط الحوالات الخارجية وحصرها ضمن المصارف الرسمية والعمل على تشجيع إرسال الحوالات إلى سورية عبر شبكات التحويل الرسمية (مع تأكيد أن السعر الحالي مازال منخفضاً وغير مشجع).
والهدف الثالث هو أن سعر صرف الحوالات الشخصية سيطبق على حوالات المنظمات الدولية غير الحكومية وحوالات منظمات الأمم المتحدة وجميع الحوالات الأخرى بهدف تشجيع مرسلي الحوالات في الخارج.
أما رابع الأهداف فهو تأكيد المتابعة والمراقبة المستمرة لعمليات تداول الليرة السورية في سوق القطع الأجنبي وذلك للتدخل باتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حدٍّ للمضاربين والمتلاعبين بسعر الصرف.
وفي النهاية لابدّ من تأكيد أن ظروف عدم الاستقرار (السياسي أو الاقتصادي أو …الخ) تنعكس في المتغيرات الاقتصادية ومنها عدم استقرار سعر الصرف ومعدلات التضخم، إضافة إلى طريقة إدارة السياسة النقدية وخاصة سياسة سعر الصرف من المصرف المركزي.
لكن لا بد لكل من يحاول قراءة واقع سعر صرف الليرة السورية أمام باقي العملات، أن يضع في الحسبان أن الحامل لهذه الليرة هو اقتصاد متنوّع وغنى بالموارد في قطاعات مختلفة وكثيرة، بالتالي يبدو السعر الراهن وتذبذباته حالة مؤقتة، ونعلم جميعاً أن المعادل الإنتاجي هو أحد الروائز المهمة في تقييم سعر صرف عملة أي بلد، والواضح أن عجلة الإنتاج عموماً في سورية آخذة بالدوران وبتسارع مقبول، وهذا يعني أنه سيكون لدينا كتلة إنتاج توازي حجم الإصدار النقدي الكلي، وبالتالي سيتحسّن سعر صرف العملة السورية وستتعافى أكثر…