فايزة أحمد ومحمد سلطان.. حكاية المطربة السورية مع الموسيقار العاشق
تشرين- سامر الشغري:
تمر في 21 أيلول من كل عام الذكرى السنوية لرحيل المطربة السورية القديرة فايزة أحمد، ولكن الأقلام التي تشرع في إحياء ذكراها لا تتحدث عن الملحن الذي رهن عمره وإبداعه لها، وظل وفياً لذكراها بعد رحيلها، ليشكل الموسيقار محمد سلطان وفايزة أحمد علاقة حب نادرة المثال في الوسط الغنائي العربي برمته.
كانت فايزة من أوائل المطربين السوريين الذين قصدوا مصر للبحث عن النجومية والشهرة، ورغم أنها قدمت الكثير من الأعمال الناجحة في بلدها الأم منها تانغو (يا جارتي ليلى) لأمير البزق محمد عبد الكريم، إلّا أن طموحها دفعها للبحث عن نجاح أكبر في أرض الكنانة.
بعد أن وفدت مصر سنة 1956 تعاملت مع كبار الملحنين، أمثال محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمد الموجي، ولعبت بطولة سلسلة أفلام وشاركت في أداء أوبريت (وطني حبيبي) مع نخبة من نجوم الطرب، تخلت عن كل ذلك وجرت وراء قلبها ووقعت في غرام ملحن ناشئ ووسيم ويصغرها بالعمر هو محمد سلطان.
يروي سلطان بداية تعارفه على فايزة من خلال سهرة في منزل الموسيقار الراحل فريد الأطرش، ثم التقى بها لاحقاً على طاولة العشاء في أحد فنادق القاهرة لتتوطد الصداقة بينهما ويبدأ مشواره التلحيني معها.
لقد رشحت فايزة هذا الملحن الشاب كي تعتمده إذاعة القاهرة، وعندما امتحنه مستشار الإذاعة الموسيقي محمد حسن الشجاعي واطلع على قدراته الكبيرة، طلب منه أن يكون أول لحن تنتجه له الإذاعة لفايزة، فكانت أغنية (هاتوا الفل مع الياسمين) التي قدمتها لجنود الجيش المصري ثم أغنيتا (أؤمر يا قمر، واعتراف).
أعجب سلطان بفايزة في البداية من دون أن يحبها، لقد لفتته طيبتها وعطفها على الفقراء، أما هي فقررت مساعدته بكل ما لديها حتى إنها كانت تبدأ أغنياته في حفلاتها قبل أعمال بقية الملحنين الأكثر شهرة في تلك الفترة.
ولكن هذه الصداقة التي كانت تنمو بين الطرفين لم تكن بعيدة عن الأعين، فبدأت الصحافة الفنية اللبنانية تنشر أخباراً عن علاقة حب بين المطربة السورية والملحن المصري، والتي آذت فايزة بشدة ولاسيما أنها أمٌّ لثلاثة أطفال ومطلقة، فقرر سلطان أن يضع حداً لهذه الشائعات وأن يطلب يدها، لكنها عرفت أن غايته مساعدتها ولم يحبها فوعدها أنه مع الأيام سيفعل وهكذا كان.
ومنذ زواجهما عام 1963 احتكر صوت فايزة معظم ألحان سلطان التي صارت وتيرتها تتصاعد وتوغل في عوالم العاطفة والرومانسية، وكانت مصداقاً لحالة الحب الشديدة والفريدة بينهما، ومع إن تأثره يبدو واضحاً بأسلوبي عبد الوهاب وبليغ حمدي في الجملة اللحنية الرشيقة وتوظيف الآلات الغربية، إلّا أنه اختط لنفسه خطاً مستقلاً وهوية متفردة، حتى إن عبد الوهاب نفسه عندما لحن لفايزة /أنساك إزاي/ ظهر لعشاق الموسيقا أنه نهج أسلوب سلطان مع فايزة.
وجاءت أغاني سلطان لفايزة منوعة ولم تأخذ شكلاً واحداً، فنجد من بينها الشعبي مثل (اخد حبيبي) والأغاني الطويلة مثل (خليكو شاهدين)، والموشحات مثل (عذب الأوتار قلبي)، والقصائد مثل (رسالة من امرأة) للشاعر نزار قباني، وكانا أول من تجرأ على تغيير عبارات بأكملها في قصائد نزار، لأنهما وجدا فيها كلمات شديدة الوقع مثل /يا نذل/.
لقد عبرت أغانيهما بصدق شديد عن حالة حب بين زوجين، وهناك حكايات كثيرة تروي ذلك، مثل أغنية (بكرا تعرف يا حبيبي) التي قدماها إثر خلاف نشب بينهما.
غير أن هذا الزواج الذي استمر 17 عاماً، وكان حالة فريدة لم يعرف الوسط الفني لها مثيلاً وأثمر عن ولدين، انهار نتيجة غيرة فايزة الشديدة على زوجها الوسيم وانتهى بالطلاق.. ورغم أنها ارتبطت بعد طلاقها منه بضابط في الشرطة المصرية ظل سلطان على حبه لها، لذلك عندما تواصلت معه لإعادة المياه إلى مجاريها عادا إلى عش الزوجية وهي تعاني المرض العضال وتذوي شيئاً فشيئاً.
لم يطل زواج فايزة الثاني بسلطان الذي لا يزال يذكر يومها الأخير، وقد هدّها المرض واستلقت بين يديه وسألته: “هل ما زال صوتي جميلاً؟”؛ فأكد لها ذلك فغنت له (ايوه تاعبني هواك وياك)، وعندما وصلت إلى جملة تعبت تعبت بكت لأنها تعبت فعلاً وآن لها أن ترتاح.
فايزة التي غادرت عالمنا سنة 1983، لم تغادر منذ ذلك الحين قلب وعقل سلطان، ورغم أنه كان في السابعة والثلاثين فقط فقد أقفل قلبه بالمفتاح كما يقول، وعاش ذكراها بطريقة لافتة جداً، فصورها إلى الآن تملأ أركان بيته وحديثه لا يتوقف عن الإنسانة التي أحبها حقاً وكان يتمنى أن يظل قربها.