الفنان المغترب طاهر البيك: محاربة الفن الغنائي الهابط مسؤولية الجميع
حوار: ديما الخطيب:
بدأ الفنان السوري الحلبي طاهر البيك الغناء منذ السادسة من عمره، تلقن الفن في نادي شباب العروبة ودرس وتعلم أصول الغناء والموشحات في معهد حلب للموسيقا وتلقى تعليماً خاصاً أيضاً على يد عازف العود “محمد أبو الهول”.. غنى البيك أمام الراحلين الكبيرين “صبري مدلل” و”أديب الدايخ” منذ الصغر وشارك في عدد كبير من الحفلات مع الراحل “وضاح الشبلي” و”مصطفى هلال” و”سمير جركس” و”صفوان العابد”.
أما انطلاقته في كندا، فجاءت بعد عامين من وصوله إلى هناك، إذ احتاج وقتاً للتأقلم والاستقرار وقراءة ميول جمهوره العربي والسوري المغترب الموسيقية.. وعن بداياته في بلد الاغتراب يقول البيك: “كانت بدايتي صعبة جداً لندرة وجود من يجيد غناء اللون الطربي، ولعدم وجود فرقة موسيقية متكاملة، وكانت أول مقابلة إذاعية مع راديو “هنا ميشغين” في برنامج أهل الطرب الذي كان له أثر في نفوس المستمعين، وبعد ذلك تلقيت دعوات لأمسيات شعرية وفنية وفعاليات ثقافية..
* كيف نجحت في الترويج للفن التراثي الغنائي الحلبي في كندا؟
بما أنني أغني الطرب الحلبي فلا أنكر بأنني واجهت بعض الصعوبات، وأهمها عدم تواجد عازفي آلات وترية كما ذكرت، ففي بعض الأحيان اضطررت للغناء منفرداً من دون موسيقا، وبصراحة فوجئت بردود الفعل وأسعدني تفاعل الجمهور ومشاركتهم الغناء معي، وقد أحييت العديد من الحفلات الطربية، وكان لها دور واسع في انتشار اسمي بسبب الحضور الكبير للجاليات العربية، وكان صدى ما قدمته إيجابياً، ونال إعجاب الجمهور من مختلف الأعمار.. وبالنسبة لنشر التراث الموسيقي الحلبي؛ فهو مسؤولية كبيرة أن تحمل معك في غربتك تراث مدينة عريقة كحلب بلد الفن والأصالة والطرب في بلاد مختلفة كلياً، والأهم أن تبقى محافظاً عليه بأدق تفاصيله ومقاماته، ولربما أكثر ما يؤنسني في غربتي هو عشقي وحبي لهذا اللون التراثي والقدود الحلبية التي اشتاق لها أيضاً كل مغترب ذواق للفن الحقيقي..
* من هو جمهورك، وهل هم فقط من العرب؟
لا فئة عمرية محددة لجمهوري فهو من مختلف الأعمار، ومن جميع الجاليات العربية، وهو جمهور ذواق للفن الأصيل يعشق الطرب وأغاني الزمن الجميل، كما أسعدني رؤية الحضور الغربي في الحفلات فهو جمهور محب للموسيقا الشرقية.
* ما الذي يميز الطرب الحلبي عن غيره من الفنون الغنائية؟
** المعروف عن أهل حلب وساكنيها شغفهم بالموسيقا العربية الأصيلة والتراثية، وإبداعهم بأداء الموشحات الأندلسية، فمدينة حلب تعدّ بلا منازع عاصمة الطرب في الوطن العربي ومنبراً للعديد من رواد الطرب الأصيل، وأكثر ما يميزه وجود قامات فنية تصدح حناجرها بالطرب الأصيل، أمثال الراحل الكبير صباح فخري، وصبري مدلل، وأديب الدايخ، ومحمد خيري وآخرون، فالطرب الحلبي هو خليط من الموشحات الأندلسية والأعجمية والقصائد والأدوار وتعدد المقامات والغناء المنفرد، ويدرس اليوم في مدارس خاصة بالطرب الأصيل.
*كيف يمكننا الحفاظ على التراث الفني السوري ونحن لا نمتلك حتى مكتبة موسيقية سورية؟
**المحافظة على التراث الفني تكون ببناء علاقة قوية ومستمرة بين الماضي والحاضر من خلال البحث عن الأصوات المميزة، التي لديها طبقات صوتية قوية، ثم احتضان هذه المواهب وتدريبها وشحذ صوتها وتقديمها بشكل مختلف، ومساندتها وتدريبها بصورة مهنية وأكاديمية من مختصين وأساتذة لديهم تاريخ مميز في مجال الغناء السوري تحديداً وهم كثر في أرض الوطن، كما أن للإعلام دوراً كبيراً في نشر هذه القيم الفنيّة وترسيخها وإبقائها على قيد السمع، كذلك يقع على عاتق المنظمات النقابية إقامة المهرجانات في كافة المدن السورية للحفاظ على هذا التراث والفلكلور الفني السوري، ونقله من جيل لآخر.
• في ظل انتشار الفن الغنائي الهابط، كيف نرفع الذائقة الموسيقية لدى أبنائنا؛ وما مخاطر إهمال هذه الذائقة مستقبلاً وتركها للانحدار!!
إننا بحاجة في الدرجة الأولى لاستعادة أصولنا الثقافية وتفوقنا الإبداعي في أخطر مراحل الفن الحقيقي، فكما ذكرت سابقاً بمجلة أيام كندية مع الناقد “عامر فؤاد عامر” إنه على الفنان ألّا ينساق مع المزاج العام، بل يساعد في تطوير الذائقة الفنية وليس العكس. ورفع مستوى الذائقة الفنية لدى أبنائنا، يقع على عاتقنا من خلال تدريبهم على العزف على الآلات الموسيقية والاستماع إلى الموسيقا الحقيقية الأصيلة في أوقات فراغهم، والتأكيد على أهمية المطالعة، ودعم حصص ودروس الموسيقا في المدارس، ورعاية من يُظهر من الأطفال ميولاً وهوايات موسيقية، ومتابعتهم وتسجيلهم في معاهد موسيقية لتلقين أصول الغناء العربي الأصيل. أما عن مخاطره ففيه معانٍ خارجة عن المألوف، وفيه نمط يعمل على تخريب جيل بأكمله أخلاقياً وليس سمعياً وحسب، فللأسف الغناء الهابط يلقى الرواج في الأعراس والمهرجانات بشكل كبير ومتسارع، وهذا الغناء المبتذل يؤثر سلباً في تفكير هذه الأجيال واختياراتها المستقبلية وبنائها للبلد، لذلك فإن مجابهة هذه الظاهرة مسؤولية المجتمع بأكمله وهي غير محصورة بنقابة الفنانين، بل تبدأ من كل بيت ومع كل لحظة تربية.