مؤلفات الموسيقي مروان أبو جهجاه في دار الأوبرا
تشرين- إدريس مراد:
بعيداً عن التعقيدات اللحنية، وربما كانت مقصودة لمعرفته بالذوق العام وليقترب من أكبر شريحة من الناس، رفع الموسيقي مروان أبو جهجاه الستار عن مؤلفاته الموسيقية من خلال أمسية موسيقية آلية تحت عنوان (أفكار مسموعة) على مسرح الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون- أوبرا دمشق، نفذها الثلاثي مروان أبو جهجاه (فيولا)، رزان قصار (كمان)، أغيد منصور (بيانو)، وسبق لهذه التشكيلة أن قدمت العديد من الأمسيات في دمشق وبعض المدن السورية الأخرى.
يستحضر المؤلف أبو جهجاه في هذا المشروع -حسب قوله- مخزونه اللحني المتراكم خلال سنوات عمله الطويلة وصياغتها على شكل مؤلفات خاصة بالتريو (الثلاثي) وتتجسد بعض الأفكار التي تراود أي إنسان، تتراوح مزاجياً بين الحزن الشديد والتأمل العميق وبين الفرح والترويح عن النفس، ويمنح كل عمل فسحة من التأمل أمام المستمع بحيث يستطيع الربط بين ما يسمعه ويراه من جهة، وبين مخزونه الإنساني الخاص لتتحرك مشاعره باتجاهات قد تلتقي مع المؤلف في عمل وقد تختلف معه في عمل آخر. حيث رافق العرض مشاهد بصرية من وحي كل مقطوعة موسيقية.
وفي توزيع الأدوار بين الآلات ابتعد (أبو جهجاه) عن الأنا وأعطى لكل آلة دورها، ونستطيع القول إن البطولة كانت مشتركة، فمثلاً عازفة الكمان تؤدي دورها بتجوال مدروس، لحّنَ فيه جملاً مزخرفة في الطبقة العليا ترافقها الفيولا بعزف صوت آخر، بينما يقوم البيانو بدعم هذه الأصوات، وتالياً نسج كل عمل بعناصر مختلفة لهذا التنظيم الأساسي، ولعب الجميع دوره بجدارة لخلق جمل لحنية جميلة وقريبة من الروح، وجاءت كحوار بين الآلات الثلاث لتعطي في النهاية أداء لحنياً تشكيلياً مليئاً بالزخرفة، وكأنها مقطوعات من العصر الرومانتيكي ترسم صوراً سمعية حسية مفتوحة على الكثير من التأويلات والخيال الواسع، ليس لأنها تدفعك للتفكير بالمطر والدخان، بل لأنها تتحدث بلغة شخصية للمؤلف ويفردها للمتلقي لتصبح لغته أيضاً.
اعتمد المؤلف الحرية المقامية في بعض الأعمال، ذلك الإحساس بالجذور أو المركز أو الأساس، التي ترتكز على واحدة من النغمات الثلاث المختلفة للسلم الملون، نغمة واحدة محددة تتعلق بها الآلات المشاركة.
عموماً استطاع المؤلف أن يخلق تناغماً بين مشاعره والجملة اللحنية، وشكّل من خلالها بنية اختلط فيها العنصر المعرفي بالقيمة الجمالية السمعية، وبدت الأعمال وكأنها مستلهمة من لوحات تشكيلية أو من عمل روائي لأنها حققت ذلك التقارب من دواخل المتلقي وجسّد حالات عديدة يتعرض لها أي إنسان (ذكريات، حب، حزن، فرح، جمال)، لم تكن غريبة عن الروح الشرقية في بعض منها وخاصة منها ما نسجها عبر مقامات شرقية (دخان وليلة بلا نوم) مثالاً، وفي كل الأعمال خلق صوراً تعكس صدق المشاعر بمختلف حالاته.
أدت المجموعة الأعمال بانسجام وتناغم واضحين من دون صعوبة أو تعثر، والتي جاءت بعناوين ومواضيع مختلفة وصل تعدادها إلى أربعة عشر عملاً (ولادة، آلتي، سر، ابتهال، السير إلى الأمام…) جسدت الأعمال المزج بين الوعي الكلاسيكي الأوروبي ولاسيما العصر الرومانتيكي كما قلت سابقاً والروح الرومانسية لمؤلفات نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
وأخيراً هناك من يقول عن موسيقية اللوحة التشكيلية “حين تسمع اللوحة” وفي أعمال أبو جهجاه نستطيع القول “حين تشاهد الجملة اللحنية”.. والجدير ذكره أن مروان أبو جهجاه خريج المعهد العالي للموسيقا بدمشق 1999 باختصاص فيولا، وعازف بفرقتي السيمفونية السورية والوطنية للموسيقا العربية، كما شارك العزف في العديد من الأوركسترات العالمية (أوركسترا بحر المتوسط، أوركسترا مكتبة الأسكندرية، أوركسترا الجزائر، أوركسترا لاسكالا…)، وعزف مع فرقة السيدة فيروز، وفرقة الموسيقار زياد الرحباني ووضع الموسيقا لعدد من الأفلام، ويشغل حالياً وكيل المعهد العالي للموسيقا بدمشق.