النقد المتواطىء.. ثلاثة بواحد!

زيد قطريب

نقد ثلاثة بواحد! يصلح للرسم والموسيقا والشعر، وإذا اضطر الأمر يمكن أن يُعدل قليلا ليصحّ أيضاً على المسرح والسينما. فالعبارات المركبة مثل مكعب “روبيك” لا تحتاج سوى للدوران قليلاً حتى تصبح الجمل النقدية ملائمة لكل أنواع الفنون. الجميع يريد نقداً أملسَ ناعماً لا “يهشّ ولا ينشّ” ولا يزعج المحرمات الكثيرة في الثقافة العربية.. الحكومات تحبّذ النصوص التي لا “تخرمش”، بذريعة انعدام الموارد والظروف الصعبة! المؤسسات تبحث عن معلقات المديح، بدعوى التركيز على النصف الممتلىء من الكأس المحطمة أصلاً! مؤلفو الشعر والروايات يريدون نصوصاً معقمة تغض الطرف عن الأخطاء الإملائية من أجل إثارة الحماس وتشجيع المواهب. ولأن الجميع لا يريد أن يضع الإصبع على الجرح، لم يكن أمامهم سوى اختراع نقاد يمدّون “أرجلهم على قدّ لحافاتهم القصيرة”، لأن “القتاية” لا يمكن أن تقوّم بنصٍّ، ولأن الربعَ إذا جنَّ، تاهت في التواصل معه العقولُ!.

نقد ثلاثة بواحد. أو نقد الذائقة الشخصية والانطباعات الذاتية هو سيد الموقف.. فلا يفكر أحد بالنوم بين المقابر، حتى لا “يشوف”َ الكوابيس، وتُكال له الاتهامات لأنه “رأى” وهو الذي يجب ألا يبصر كي لا يحرف عصر الانحطاط عن المسار!

النقد المتواطىء، أو نقد الثلاثة بواحد، هو الحل، ذلك الذي يركب على رواية، ثم يتم تعديله قليلاً ليناسب كتاب شعر بعد تغيير اسم الكاتب ودار النشر. وإذا كان شاعرنا الراحل فايز خضور قد قال يوماً: “عطبٌ هائلٌ قد ألمَّ بوجه الصباح”، فإنّ من لزوميات العطب تعميم روبوتات النقد كي تطفح مثل الجدري فوق السحنة الآدمية!

شُحط الذهن العربي من الحلبة منذ زمن طويل.. بعدما أثخن باللكمات وجُندِل بالضربة القاضية نتيجة عدم التكافؤ مع العصر. وكان الجمهور في كل مرة مشاركاً في نقد “الثلاثة بواحد” ومحبذاً لمداواة السرطان بالسيتامول. لا أحد يريد أن يقول عن زيته عكراً، حتى لو كانت “التنكة” ممتلئة بالصدأ والصديد، فالنقد الذي يمشي “الحيط الحيط” هو الذي يعرف من أين تؤكل المخيلة المدجنة بالتبريرات المهادنة وفلسفة “فخار يكسر بعضه”!.

يكتب أحد نقاد التشكيل نصاً يدوّره على رحيل ممدوح قشلان وإلياس الزيات وفاتح المدرس.. ويكتب آخر قراءة في كتاب يأخذ معظمها من صفحات المؤلف كأنه “فوتوكوبي”.. ويقرأ المرشحون للمناصب خطابات قرأها المرشحون السابقون بعد تعديل التاريخ! إنها نصوص “الثلاثة بواحد” تلك العربة الخردة التي يدفشونها في “طلوع التنايا”، ثم في “راس الطلعة” تكرُّ إلى الوراء.. ويعيدون!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار