تجارة نشطة!

ليست المرة الأولى، التي تنهار فيها أبنية مخالفة “حديثة الإنشاء” فوق رؤوس قاطنيها في مدينة حلب، فقبل “فاجعة” مبنى الفردوس، الذي أخذ ضجة كبيرة وكشف حجم التقصير والفساد في معالجة واقع السكن العشوائي، سبقتها حوادث مشابهة في أحياء قريبة، من دون اتخاذ إجراءات تحول دون تكرار هذه الانهيارات ومنع تمدد الأبنية المخالفة، علماً أن ملف الأبنية الآيلة للسقوط كُلفت جهات متعددة بمعالجته، لكن ذلك لم يحل دون اختراقها من بعض الفاسدين وتجار بناء “شفطوا” مليارات الليرات من هذه التجارة النشطة أمام أعين المعنيين في المدينة.
يُقدر عدد الأبنية الخطرة الآيلة للسقوط بموجب تقارير السلامة العامة، التي أعدت من الفريق المكلف بهذه المهمة بقصد معالجة هذا الملف الضخم، بعد انتهاء الحرب السوداء على العاصمة الاقتصادية، بـعشرة آلاف مبنى تقريباً، لم يهدم منها سوى جزء قليل، والحجة دوماً ضعف الإمكانات المادية مقابل حجم عمل كبير يستلزم أموالاً باهظة تقدر بالمليارات غير متوافرة حالياً للقيام بعمليات الهدم وترحيل الأنقاض وتأمين سكن بديل، ولكن هل هذا يعني وضع اليد على الخد، وغض النظر عن مخالفات البناء، التي تشيد في وضح النهار بلا خوف من المحاسبة مادام بعض الموظفين في هذا القطاع أو ذاك في “الجيبة” كما يقال، ولماذا التأخر في الإعلان عن المخطط التنظيمي، الذي كان يفترض تنفيذه منذ سنوات، على نحو يعالج واقع السكن العشوائي، ولماذا يسمح أساساً ببناء أبنية مخالفة مادامت ستهدم الأحياء الشعبية ويعاد إعمارها، ما يشير إلى أيدٍ منتفعة تلعب على وتر حاجة الناس وتتاجر حتى بسلامتهم، وهذا يوجب فتح هذا الملف ومعرفة خباياه وكشف سلسلة المتورطين ومنع لفلفته حتى يُحاسب المخالفون ويعالج في الوقت ذاته واقع البناء العشوائي، الذي يشكل أكثر من 50% من مساحة مدينة حلب على ذمة أحد مسؤولي المدينة.
معالجة الأبنية المهددة بالسقوط وتنظيم مناطق السكن العشوائية في مدينة حلب، يحتاج رصد كتلة مالية للمباشرة بالهدم فوراً وتدوير الأنقاض بدل تحمل تكلفة نقلها الباهظة، وتجهيز أبنية سكنية بديلة وتخصيص المالكين في سكن في المناطق المنظمة كالحيدرية مثلاً وفق المخطط التنظيمي، الذي يعطي التأخر في إصداره الضوء الأخضر لمزيد من التجاوزات، بينما يفترض استثمار حالة الدمار الناجمة عن تداعيات الحرب بإزالة العشوائيات نهائياً واستبدالها بمناطق سكنية منظمة وليس زيادة التشوهات كما يحصل اليوم خدمة لمصالح حيتان العقارات وبعض المسؤولين الفاسدين، والضحية المواطن والخزينة، حينها لا داعي للاستغراب إذا سقطت أبنية مشيدة حديثاً فوق رؤوس ساكنيها مادام الأساس غير سليم والقانون مغيباً!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار