بين الذريعة والتقصير.. قرى في مصياف “لم تشرب” منذ سنة! 

تشرين- أروى شاهين:

في طريقك إلى قرى مصياف التابعة لمحافظة حماة تشعر بأنك خارج نطاق القرن الحادي والعشرين، فمعظمها يفتقر إلى أدنى مقومات العيش الكريم، ولم تزدها أحداث الحرب وتداعياتها إلّا بؤساً وفقراً وإهمالاً اعتاده أهالي تلك القرى من الجدّ إلى الحفيد ومن “فم ساكت”، إلّا أن شحّ المياه والتقنين الأكثر من جائر الذي تعانيه تلك القرى منذ أكثر من سنة فاقا طاقتهم على التحمل وطفح كيلهم هذه المرة .

فقر أسود

عشرات القرى وآلاف العائلات العطشى ممن التقت ” تشرين “عدداً منهم في قرى ” كفر عقيد – دير الصليب – الصبورة ” لم تشرب منذ سنة كاملة إلّا ما تيسر لها من آبار ارتوازية تعود ملكيتها لعائلات أخرى، ومن لم يكن جاره المكتفي بالماء كريماً يضطر لدفع مبالغ باهظة تصل إلى 500 ألف ليرة شهرياً لسقاية أولاده ومواشيه وأرضه التي يعيش على رزقها، في حين أقلعت عائلات أخرى عن الزراعة وتربية المواشي بسبب انعدام المياه والكهرباء وما يليه من جفاف تنطق به الأشجار والمحاصيل الزراعية التي طالما كانت لقمتهم الوحيدة، ناهيك بانتشار أمراض النظافة، وذلك كلّه كفيل بـ«فقر أسود» يحلك وجوه الصغار قبل الكبار .

كل 15 يوماً أقل من ساعة

كجاراتها تأتي مياه الشرب في قرية دير الصليب كل 15 يوماً أقل من ساعة، وهناك بيوت غابت عنها المياه شهوراً متواصلة بسبب موقعها وارتفاعها عن آبار الدولة، علماً أن أهالي القرية المذكورة دفعوا ثمن جزء من التجهيزات الفنية المتعلقة بتشغيل بئر جديدة بالتعاون “مساهمة ” مع مؤسسة المياه، لكن حتى الآن لم يشرب الناس منها ولا يعرفون متى سيتم وضعها في الخدمة، في حين أسعار الصهاريج في قرية كفر عقيد التي تعاني الحالة نفسها تجاوزت الـ 75 ألفاً للصهريج الواحد الذي يمكن أن يكفي حاجة عائلة مؤلفة من 4 أفراد لمدة يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر، فماذا تفعل العائلات الكبيرة ؟!

شبه جافة.. ولا مورد

إضافة إلى المعاناة السابقة يعاني أهالي صبورة عدم وجود مورد مائي نظامي والاعتماد على الآبار السطحية شبه الجافة بعمق 50 متراً ، وهو ما لا يتناسب مع عدد السكان المتزايد، إضافة لشبكات تصريف سيئة وغير مدروسة بشكل يأخذ في الحسبان موقع البيوت وعدد سكانها وموقعها الجغرافي .

” بكرا ” ….

أما بئر كفر عقيد التي كانت تروي ثلاث قرى مجاورة فلا تعمل منذ سنة إلا على الكهرباء التي لا يراها أهل القرية ساعة كاملة كل 5 ساعات، وعليه – حسب الأهالي- لم يتم تشغيل البئر خارج أوقات الوصل الكهربائي منذ سنة وأكثر بسبب عدم وصول لوازم التصفية المناسبة التي اعترف مسؤول البئر بوصولها إلى أعتاب القرية منذ أكثر من أسبوعين إلّا أنها حتى الآن لم تصل وكل يوم يقولون له: «بكرا …».

في كل قرية بئر على الأقل

مدير مؤسسة مياه حماة المهندس الدكتور مطيع عبشي لم ينكر معاناة تلك القرى قائلاً لـ” تشرين”: لا يمكن أن يكون واقع المياه في المحافظة مثالياً إلا بتحسن واقع التيار الكهربائي، كاشفاً عن تنفيذ عدة مشروعات تم خلالها حفر عدة آبار جديدة ليصبح في كل قرية بئر على الأقل، ومنها ما هو جاهز في قرى “بيت عتق والزاملية والسويدة والصومعة وبيصين “، ويتم حالياً التنسيق مع بعض الجهات المانحة والمنظمات لتجهيز عدد إضافي من الآبار والسعي لتأمين تغذية كهربائية أو تركيب طاقة بديلة كلما كان ذلك ممكناً، إلا أن كل تلك الآبار لا يمكن أن تؤمن حاجة الناس بالكامل من دون تحسن الواقع الكهربائي، إضافة إلى أن معظم الآبار القديمة عمرها لا يقل عن 40 عاماً وكانت طوال السنوات السابقة تعمل على الكهرباء، ما يجعل تشغيلها على الديزل بشكل فوري أمراً ليس سهلاً ويحتاج تكاليف باهظة لعمليات صيانة مجموعات التوليد واللوازم الفنية .

وحسب عبشي يتم حالياً تنفيذ عدد من الخطوط المعفاة من التقنين في أنحاء مختلفة من المحافظة، وتمت الاستفادة من خط المشفى المعفى من التقنين لتغذية 3 آبار في مصياف، إضافة إلى استكمال تنفيذ خط جر مياه حماة و تجهيز عشر آبار في مجال المحافظة وتنفيذ عدة مشروعات أخرى في الغاب ومصياف التي وصل عدد الآبار المحفورة فيها مجدداً إلى 20 بئراً ، ويتم العمل على تجهيزها تباعاً .

وأضاف عبشي: واقع الطاقة ” الكهرباء والديزل ” أثّر سلباً في واقع المياه جاعلاً ساعات الضخ قليلة على الرغم من الطاقة الجيدة للآبار وبالتالي ظهور المعاناة وخاصة في شهر آب، ورغم ذلك تم تزويد جميع الآبار والمشروعات بالديزل حسب الكميات المتاحة، موضحاً أنه سيتم قريباً استكمال تشغيل البئر التي ساهم أهالي قرية دير الصليب بتجهيزها مؤخراً وتم رصد ميزانية مناسبة لذلك.

 

وعن صبورة أكد عبشي أن العمل جارٍ على دراسة مشروع منطقة مؤمّنة مائياً، حيث إن الحوض المحيط والقريب منها لا توجد فيه مياه للشرب، وعليه سيتم مد القرية بخط مائي إضافي خارجي يساهم في حل المشكلة نوعاً ما، إضافة إلى تنفيذ عدة مشروعات , منها مشروع خزان المياه الكبير في مصياف – طريق وادي العيون- بتكلفة بلغت 3 مليارات ليرة ، والأخير مدعم بشبكات تصريف جديدة يمكنها إرواء عشرات القرى, منها “اللقبة والرصافة وعين الشمس و قيرون والمحروسة وبلين ” وغيرها .

حل إسعافي!

يبدو أن لا حل جذرياً يلوح بالأفق، والأسباب متعددة ولا تنحصر بواقع كهربائي مجحف أرخى بظلاله على كل الأراضي السورية وليس حماة وحدها، والقارئ لآلية العمل في تلك القرى يدرك أن هناك تقصيراً واضحاً من الإدارات الأدنى والمسؤولين المباشرين عن استمرار جاهزية الآبار و تزويد القرى بالمياه، ففي قرية ” كفر عقيد ” مثلاً وجّه عبشي بتزويد القرية بـ 400 ليتر مازوت إضافي وبطاريات جديدة ولوازم تصفية تزامناً مع موجة الحر الأخيرة لتتم معالجة المشكلة مباشرة على اعتبار أن كل شيء موجود، وعليه يفترض أن اليوم التالي سيحتفل الأهالي بمياه تقيهم موجة الحر الأخيرة على الأقل، في وقت أكد فيه مدير وحدة مياه مصياف عيسى يونس لـ ” تشرين ” أن المازوت متوفر وكل المستلزمات موجودة بما فيها لوازم التصفية التي ينتظرها الأهالي منذ سنة ، إلّا أنها لم تصل حتى الآن وهي ذاتها “المصافي ” التي قال مسؤول البئر عنها: ” وعدونا بكرا ” ولا أحد يعرف متى ” بكرا “, وكم من الزمن يمكن أن تطول هذه الكلمة في قاموس وحدة مياه مصياف؟!.

يصح القول وبالاستناد إلى بدهيات إدارة الأزمات، إنه في الأزمات المستعصية والظروف الصعبة التي لا يمكن لأحد نكرانها يتم الاعتماد في حل المشكلات على الحلول الإسعافية لا على الطويلة الأمد ذات مصطلح ” بكرا “، وتلك الحلول تحتاج الدقة والسرعة في إنجاز الحل الإسعافي وإلّا خرجت عن إطار الحل وبقيت إلى جانب نظيراتها طويلات الأمد تترنح على منابر المسؤولين في كل مناسبة تحتفل بالمشروعات وتنعي الحلول، وتقول لنا: ” بكرا ” .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار