خمسة مبدعين لرواية.. قصص (الثلج والرسوم على الجدار)
تشررين- راوية زاهر:
(الثلج والرسوم على الجدار)؛ مجموعة قصصية مختارة من الأدب الأفغاني للكاتبين الأفغانيين أعظم رهنورد زرياب، وزوجه سبوجمي زرياب، جمعها إسحق شجاعي وحسين بلخي، وترجمتها إلى العربية الدكتورة ندى حسون، والصادرة مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب /دمشق/٢٠٢٢م والمترجمة حائزة شهادة الدكتوراه في اللغة الفارسية، ولها العديد من الأعمال المترجمة.
عن العنوان
(الثلج والرسوم على الجدار).. عنوان تقليدي، وهو مأخوذ من عنونة إحدى قصص المجموعة، المكونة من تسع قصص تغوص في عمق المجتمع الأفغاني، وتحكي قصصه وقضاياه وظروفه الاجتماعية والاقتصادية المتهالكة، في أزمنة طالبان.. بلد يعيش الحرب بكل أوجاعها، وقد كان للثلج في هذه المجموعة حضوره اللافت، والمكان المحدد الذي دارت فيه الأحداث تركزت في مدينة (كابول) العاصمة الأفغانية، وما يعكس حال البلاد المتردية، تلك الخواتيم الحزينة للقصص إذ انتصرت في جلّها ثقافة الموت، وحضر رمز الملابس المحلية المرتبطة بالمدينة وحزنها (ملابس سوداء، تشادور أبيض)، أضف لقضايا اجتماعية متعلقة بالفساد واستضعاف الفقراء، وميلهم للانتقام، وقضايا المرأة المهمشة وتعرضها للضرب المبرح، لتعيش شخصيات القصص حالة من التوتر النفسي والأرق المتنامي، والأمراض النفسية كنتيجة حتمية لحدّة الظلم المستشري، ووجع الفقد المنسكب فوق الطرقات، والعيش بوهم الفزع النافر من تحب القباب، وكذلك الرؤوس المقطوعة التي لم تخلُ منها قصة من القصص.. فالرمز حضر بقوة في كل القصص، كالرقم سبعة وخمسين الذي نطقت به والدة الطفل المقتول بإحدى قضايا تصفيات الحساب، والموت المجاني في طريقها إلى المقبرة، كما في قصة (الدلاء وأكياس الدخن) أعاد الكاتبة إلى معلمة التاريخ في مراحل الدراسة وتسجيلها أرقام القتل والموت في الحرب العالمية الثانية لا مبالية ورافضة لأي تعليق من الطالبات، وغير آبهة بالملايين المقتولة لتطرد الكاتبة والتي كانت طالبة آنذاك من الصف بسبب إثارة شغب الإنسانية وإزعاج أصحاب الضمائر الميتة بأسئلتها واستفساراتها فارتبط ذكر هذه المعلمة بالمجازر والنازية وقطع الرؤوس وأماكن التعذيب المتجددة عبر مادة التاريخ التي تدرّسها.
ومن ثمّ يأخذنا الرمز إلى القباء الأسود في قصة (القباء أسود اللون)، وما هو إلّا رمز للرجل اللئيم وما يحمله من الظلم الاجتماعي المتوارث للضرب والركل الذي يطول المرأة ابتداءً من الجدة إلى الأم فالطفلة التي لاقت مصيرها باكراً بموتٍ زؤام.. وأم انتحرت أيضاً تحت تأثير الضرب والركل والحزن.. وكذلك رقم سبعة في قصة (سبع مرات) الرمز الذي يعود إلى (أبناء ميرزا) الذي أهانه وضربه تاجر السجاد وخدمه ضرباً مبرحاً، فأعاد بناء بنية أبنائه ليصبحوا أقوياء، وقد وعد تاجر السجاد بكلمة سبع مرات، وهي عدد الضربات التي تلقاها من أبناء ميرزا بعد أن اشتد عودهم، فأردوه بسبع ضربات، وأعادوا لوالدهم كرامته المسفوحة، وبذلك غادره شيطان الانتقام وعادت السكينة المنهوبة إلى روحه.
قصة المجموعة
وفي الوقوف قليلاً على القصة التي حملت عنوان الكتاب (الثلج والرسوم على الجدار): في كابول حيث يتراءى لطفل في الحادية عشرة على سطح ترابي اللون مغطى بالثلج مشاهد متعددة وصوراً تعكس عمق مخيلته، تسكنها الروح تارة، لتغادرها وتحل محلها مشاهد أخرى مرتبطة بما يسمع، هنا حيث تتبدل اللقطات كمشاهد سينمائية بزيّ ثلجي البياض، وكان هذا البياض سيد كل المشاهد، من ورود يانعة بيضاء، إلى امرأة تجوب الصحراء محركة القطن، وتلفه على القماش مرتدية ملابس بيضاء أيضاً، ليعيد بكلمة (أمير المؤمنين) التي نطقتها جدته رسم المشهد من جديد بالثلج الأبيض، مع سيوف وصهيل خيول وجلبة حرب، ورمح يتطاول بيد الإمام كما رسمت الجدة المشهد لينثره الطفل على الجدار، الذي يبدو متنوع المشاهد تغزوه الروح مع كل مشهد جديد ببياضٍ ناصع،
طفل الحادية عشرة هذا، لم يغير المكان، ولم يغير الجدار، كما أنه لم يغير اللون الثلجي، فقط تغيرت المشاهد، لتنتهي برأس والده مقطوعاً ومعلقاً على الجدار بمشهد مأسوي مرير، ورغم دموية المشهد لكنه بقي مجلبباً بالبياض، وذلك بعد ولولة الأم والجدة لقصف السيارة التي تقل والده في الشمال.
وما يلفت الانتباه تكرار مشاهد الثلج ورمزية الخير والبياض التي يحملها، وعلى الرغم من ذلك لم يشفع هذا اللون في تغيير اللون الدموي المصحوب بالموت لأغلب القصص.
عن اللغة
اللغة التي استخدمها الكاتبان مترفة بالوصف الذي يخدم المشاهد، ويعرفنا بدقة على صفات الشخصيات، وهذا الإنتاج القصصي الأخاذ.. وهو ما يُحمسنا لنقول إن هذه المختارات من القصص، من أجمل ما تُرجم عن الأدب الأفغاني ونقل إلى لغتنا، وعرفنا على نتاج إبداعي رفيع لشعب حاولت القوى الظلامية ألّا تظهر منه سوى ثقافة الموت..