يعاني قطاعنا العام من نقص يمكن وصفه بالكبير في العاملين ولاسيما في المجالات التي تحتاج إلى خبرات مهنية وفنية وعمالة مدربة على خطوط الإنتاج في القطاعات المنتجة الصناعية والإنتاجية.
ففي تربية ريف دمشق وحدها يوجد ٦٠ ألف شاغر في الكادر التدريسي والذي يرمم وفق نظام الساعات والنسبة الأكبر من هذه الشواغر تتركز في الاختصاصات المهمة من علوم ورياضيات ولغات. وهذا الحال يمكن تعميمه على جميع المحافظات التي ضربها الإرهاب وسبب هجرة لأهاليها ومعهم المعلمون الذين كانوا يأتون من محافظات أخرى ولم يعودوا بعد تحريرها واستتباب الأمن بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة مقارنة بالراتب .
كذلك الأمر بالنسبة للقطاعات الإنتاجية التي تعاني من النقص في الخبرات الدقيقة والأيدي العاملة سواء الماهرة أم القادرة على العمل في خطوط الإنتاج، فمعظم الأفران تعلن عن نقص كبير في عدد العمال ما يدفعها إلى زيادة فترة وردياتها، ما يسبب ضغطاً وإجهاداً على من بقي لديها من عمال، وكذلك الأمر في المؤسسات والشركات التابعة لوزارة الصناعة وفي وحدات الإدارة المحلية، كما تعاني العديد من المشافي نقص الكثير من الاختصاصات الطبية والتمريضية.
الأسباب وراء هذا النقص عديدة أولها عدم قدرة الرواتب والأجور على تغطية الاحتياجات اليومية للعاملين في القطاع العام واختيار النسبة الأكبر منها الاستقالة أو أخذ إجازات بلا رواتب للعمل في القطاع الخاص أو الهجرة، كما أن بعد الموظفين عن مراكز عملهم أصبح يكبدهم تكاليف نقل باهظة تزيد على رواتبهم إضافة إلى ارتفاع إيجارات السكن لمن اختاروا الانتقال إلى مناطق سكنية قريبة من وظائفهم.
وحتى في القطاع الخاص نلاحظ تكرار الإعلانات عن الحاجة إلى عمال وموظفين وهذا ليس بسبب توسع الإنتاج وإنما لعدم قبول العمال لما يعرضه أصحاب العمل من رواتب زهيدة مقارنة بالجهود المطلوبة أو بمستوى الأسعار السائدة إلى حد يوصف بالاستغلال.
هذا الوضع مع استمراره سيولد مشكلات كبيرة اجتماعية واقتصادية وسيفرغ معظم قطاعاتنا من الخبرات والأيدي العاملة، وبشكل خاص في الأنشطة التي تحتاج إلى فترات من العمل والتدريب لتحقيق تراكم التجارب، ما يشكل فجوة كبيرة وخطيرة في المستقبل القريب ويؤثر على جميع قطاعاتنا الخدمية والإنتاجية.
وهذا ما يتطلب جهوداً حثيثة وبشكل عاجل لدراسة أسباب ازدياد النقص في عمالتنا بمختلف تصنيفاتها والعمل على معالجتها وأولها تحسين الدخل بشكل يؤمن بالحد الأدنى متطلبات الحياة، وكذلك تثبيت العقود المؤقتة لزيادة انتماء المتعاقدين إلى عملهم لأن القطاع العام لم يعد يمتلك رفاهية “المماطلة” في هذا المجال، ودراسة جميع الخيارات المتاحة لتحسين ظروف العمل، لأن الوقت بات قصيراً ويمكن سؤال مؤسستي التأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية للتأكد من ذلك؟!.
باسم المحمد
70 المشاركات