صنعة «باليد»…؟!

رفض ابن صديقتي في ريف حماة إكمال تعليمه في “الثانوية الصناعية” بعد إمضائه عاماً متململاً من جراء سماعه أقاويل تروج أن التعليم المهني والتقني “مأوى الفاشلين” حتى لو أصبحت لديهم “صنعة” تدر عليهم ذهباً، وأخفقت كل محاولات إقناعه بجدواه والحاجة إلى طاقات الشباب ذوي الكفاءة والمؤهل العلمي، فهو لا يرى نفسه أقل من أقرانه الذين دخلوا كليات الطب والهندسة وخاصة مع حملات تهليل الأهالي عند دخول أبنائهم كليات “النخبة” المدعومة.
حال الطالب “الهارب” إن صحّ التعبير تحت ضغط عادات تنظر بـ”دونية” إلى التعليم المهني والتقني، ينطبق على كثر ويشير إلى واقع صعب يعانيه هذا القطاع المهم، نتيجة إهماله الطويل قبل الصحوة مؤخراً ومنحه مزايا تفضيلية تجلت في مرسوم رئاسي يشجع على دراسته وينظم مساره، ورغم ذلك لا تزال المفاهيم الخاطئة تسيطر على عقول الأهالي والأبناء، ما يتطلب حملات توعية مستمرة حول أهمية التعليم المهني والتقني ودور خريجيه في بناء المستقبل وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار، مع تقديم محفزات مشجعة أسوة بالكليات الهندسية أو منح راتب شهري للطلبة الأوائل وتبني إلحاقهم بالكادر التدريسي أو متابعة تحصيلهم الجامعي، الأمر الذي قد يضمن تخريج كوادر مؤهلة وكفوءة تحت إدارة مدرسين أكفياء وليس مجرد تحصيل شهادة والسلام، وهنا يتوجب منح مزايا للمدرسين أيضاً بزيادة رواتبهم مع حوافز إضافية لتمكينهم من إعطاء أفضل ما لديهم على نحو يحبب الطالب بالدراسة بدل “تطفيشه” بطريقة أو بأخرى، ويبقى الأهم تبنٍّ فعلي للتعليم المهني ودعمه بكل السبل الممكنة، مع تعاون غرف الصناعة والتجارة في تحقيق هذه الغاية بجذب الطلبة والخريجين وصقل دراستهم بدورات عملية من أرض المعامل وإيجاد فرص عمل مناسبة في ظل حاجتهم الماسة إلى طاقات الشباب واستثمارها بتطوير الإنتاج.
“الصنعة باليد” اليوم تدر دخلاً جيداً أفضل بكثير من المهن المصنفة “نخبة” في ظل ظروف استثنائية قلبت كل المفاهيم، لكن حينما يكون العمل المهني منظماً ومداراً بطريقة مدروسة ينعكس بالإيجاب على الطلبة والخريجين وسوق العمل لاحقاً، عندها يمكن القول إن التعليم المهني قد نال حقه كما يستحق، وغير ذلك سنبقى نغرد خارج السرب، وسيظل طلابه يشعرون بأنهم أبناء البطة السوداء، في هدر فعلي لثروة بشرية نحتاج استثمارها اليوم أكثر من أي وقت مضى، فمتى سيلقى التعليم المهني والتقني الدعم الكافي على نحو يحمي دارسيه نفسياً ومادياً ويعم خير كفاءاتهم على إعمار البلاد واقتصادها وليس جيوب البعض عبر رفع أجور “أيديهم” إلى أرقام خيالية لا تقل جشعاً عن أفعال التجار المخالفين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار