أصوات الآخرين
لا نظلم نحن أيضاً الفنانة المصرية “سعاد محمد” 1926-2011، في قولنا إنها نموذجٌ لفنانٍ، يحتفظ له الجمهور بعملٍ واحد، على تعدد نتاجاته وثراء مضمونها، لكن التحوّل الحقيقي في مسيرته، عبر عملٍ فنيٍّ ما، مسرحيةً أو فيلماً أو روايةً، سيبقى الأول له، وبعد رحيله شيئاً فشيئاً سيكون الوحيد فقط، والكلام هنا عن أغنية “مظلومة يا ناس مظلومة”، كتبها الشاعر اللبناني محمد علي فتوح، ووضع ألحانها الملحن السوري الراحل محمد محسن، والتي عدّت علامةً فارقة في مشوار الراحلة محمد، لا سيما أنها تلاقت مع اتهامٍ باطل، وُجِّه إليها وأساء إلى سمعتها؛ كما يتردد سنوياً في ذكرى غيابها ” 4 تموز”، وهي مناسبة يُذكر فيها أيضاً دور محسن في شهرتها.
يُوصف “محمد محسن” 1922-2007، ملحن الكبار، ولو أردنا البحث عن لقبٍ أو تسميةٍ أخرى، لَمَا وجدنا أفضل منها وجهاً آخر، لإبداعه الذي صبّ في أصوات الآخرين، فلم يكن رافداً وداعماً فحسب بل أساساً لا يعلو البناء من دونه، ولم تكن محمد وحدها مَن بدأت فعلياً مع محسن، إنما ينطبق هذا الكلام على “فايزة أحمد” و”وردة الجزائرية” اللتين أعاد تقديمهما إلى الجمهور بشكلٍ مُختلف، إلى جانب تجربته مع “فيروز”، في (سيد الهوى قمري)، (جاءت معذبتي)، (لو تعلمين)، (أحب من الأسماء)، (ولي فؤاد)، ثم كان اعتذاره عن التلحين لها حينما اتصلت به قبل عامٍ من رحيله، طالبةً منه أربعة ألحان أخرى، ربما كان يفكر في الاعتزال على ما يقوله الباحث الموسيقي “أحمد بوبس”، في كتابه عن الراحل.
تتزاحم أسماء الكبار في مشوار محسن، منهم: صباح، وديع الصافي، نصري شمس الدين، نجاح سلام، سميرة توفيق، نور الهدى، نجاة الصغيرة، صباح فخري، كروان، موفق بهجت، ماري جبران، فهد بلان، وغيرهم العديد؛ لكن ما لا يُمكن تجاهله في مسيرة المُلحن السوري القدير، بدايته مُغنياً ومُلحناً لنفسه، عَرَفَ أن صوته لن يخدمه على المدى الطويل، والكلام للباحث بوبس، فتوقف عن الغناء وركّز على التلحين لغيره، وهي خطوة تستحق الكثير من التفكير، فالبعض يرفضون الاعتراف حتى لأنفسهم بمحدودية قدراتهم في مجالٍ معين، ما يستوجب ضمنياً الاهتمام بآخر، وفي حالة محسن التي لم تتكرر محلياً وعربياً، كان قراره ذاك، تحوّلاً تناقلته الأصوات على اختلاف اللهجات واللكنات، فتجاوزَ الزمان والمكان.