اختصر أحد المتابعين قمة حلف شمال الأطلسي التي عقدت في مدريد الأسبوع الماضي بأنها (قمة الاستفزاز المرتدية عباءة الدفاع)، وهناك من رأى أن هذه القمة ما هي إلّا (جدولة لحشد القوى الأطلسية للسنوات العشر القادمة) بقوة تأجيج للحروب بعيداً عن التفكير بأي حلول سلمية للنزاعات واستبعاد أي مسعى لإنهاء حروب قائمة.. فما حقيقة ما جرى في هذه القمة الأطلسية ؟؟
عقدت القمة الأطلسية على قناعة عبّر عنها أمين عام حلف شمال الأطلسي( ينسستولتنبرج) في أحد تصريحاته أن (العالم يعيش في حالة خطر كبير، وها نحن الآن نرى الحرب في أوروبا، والتهديد بالحروب الأكثر خطورةً يتوسع) وهذه القناعة كما هو واضح رسمت مساراً للقمة حصر عملها في الشحن والتحريض خاصة ضد روسيا والصين، وقام (التصور الاستراتيجي الأطلسي الجديد) الذي جرى تحضيره طوال العام الماضي على حشد القوى الأطلسية لمحاربة روسيا والصين، وهذا التحشيد والتنظيم ما هما إلّا استفزازٌ لروسيا والصين ووضعهما موضع العدو المستهدف الذي تحشد ضده وتحرّض، وتسلح أوكرانيا من قبل القوى الأطلسية.. استفزازٌ يجعل الآخر المستهدف مضطراً للجوء إلى تحشيد في المقابل و استنفار قوى الحرب لمواجهة ما يستهدفه ، وهذا كله ليس إلا تخصيباً لاحتمالات تحويل أي نزاع إلى حربٍ مدمرة.
يتساءل المتابعون: إذا كان حلف شمال الأطلسي حقاً أكبر( حلف دفاعي) فلماذا لم يبحث في قمة مدريد عن الحلول السلمية للقضايا المتنازع عليها، ولماذا لم يعدّ أن التسوية الدبلوماسية أيضاً سلاحٌ من أسلحة تجنب الحروب ووسيلة من وسائل تجنب الخطر.. كل التصريحات والخطابات التي صدرت عن قمة الأطلسي تعلقت بالتسليح وزيادة عدد القوات والتعاون في إطار القوى المقاتلة وضم دول أخرى إلى حالة القتال، والاقتراب أكثر من حدود روسيا و الاستعداد لمواجهة الصين، ولم نسمع من مسؤول أطلسي واحد اقتراحاً أو فكرة أو مطلباً باللجوء إلى الحلول السلمية والدبلوماسية.
وبدل أن يتوجه الغرب الأطلسي إلى حل المشكلة و إيجاد تسوية تلبي هواجس روسيا وتحفظ السلم في أوكرانيا راحت القمة الأطلسية. تتفنن في استفزاز روسيا ناسية أنه لا يمكن لأوروبا أن تنعم بالسلام والاستقرار إذا استُفزت روسيا، ألم ينصح( جورج كينان) صاحب استراتيجية احتواء الاتحاد السوفييتي في الخمسينيات من القرن العشرين؟، ألم ينصح الغرب في التسعينيات بعدم اقتراب القوات الأطلسية من روسيا لأن في ذلك خطراً على أوروبا والغرب كله.. وبغض النظر عن أسباب ما يجري في أوكرانيا، فإن العقل و الحكمة هما في البحث عن حل يُنهي الحرب، ويعيد الاستقرار والسلام الذي يحفظ الحقوق لكل من روسيا وأوكرانيا ويزيل أسباب التهديد والاستفزاز.. العقل والحكمة يدعوان للبحث عن حل، ولما كان هذا الأمر لم يحدث في قمة الأطلسي فإنها قمة خلت من العقل والحكمة وسادتها حمى التحريض والتحشيد للاستفزاز والحرب… فعلاً يعيش العالم حالة خطرٍ كبيرٍ جداً.