” البحار الخمسة” وقمة قزوين
تشهد الساحة العالمية حاليا انقساما عموديا وأفقيا يتجسد في عقد مؤتمرات دولية ومنها ( اجتماع الدول السبع الصناعية G7 في ألمانيا وحلف الناتو في إسبانيا، ومؤتمر بطرسبورغ الاقتصادي في روسيا ، واجتماعات لمجموعة البريكس، والاجتماع القادم لمجموعة العشرين G20 ، وقمة بحر قزوين ، وزيارة بايدن المرتقبة للمنطقة.. إلخ)
القاسم المشترك بين كل هذا هو التغيرات العالمية وتوجه أمريكا والناتو للسيطرة على العالم من دون مراعاة أن مراكز القوة تغيرت وتتغير وليس كما تشتهي الإدارات الغربية الخاضعة للتوجهات الأمريكية .
معالم هذه التغيرات كانت قد بدأت فعليا من الساحة السورية سنة /2011/ وقد أشار إلى ذلك السيد الرئيس بشار الأسد، بل طرح رؤية جديدة لتطوير المنطقة سنة /2004/ بعد احتلال العراق ركزت على تشبيك البحار الخمسة المتوسط والأحمر والأسود والخليج العربي وبحر قزوين .
وتشبيك هذه البحار يضمن الاستفادة من الثروات المتاحة وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي بعيدا عن إملاءات الامبريالية المتوحشة وتحويل بؤر التوتر إلى مراكز نمو وتعزيز التبادل التجاري وترسيخ الأمن الطاقوي وخاصة مع تزايد القوة الصينية والروسية والإيرانية والهندية والسورية …إلخ، وينهي الهيمنة الغربية والدولار واليورو لدول لا يتجاوز عدد سكانها /10%/ من عدد سكان العالم .
وها نحن نشهد الآن اجتماع قمة ( قزوين ) السادسة التي بدأت بتاريخ 29/6/2022 وحضرها قادة الدول الخمس المطلة على بحر قزوين الاستراتيجي وهي [ روسيا وإيران وتركمانستان وكازاخستان وأذربيجان]، وتبلغ مساحة بحر قزوين حاليا /360/ ألف كم2 أي ضعف مساحة سورية وهو أكبر بحر مغلق في العالم وله أهمية اقتصادية وجيوسياسية عالمية كبرى ، لذلك هو قبلة الشركات الاستثمارية العالمية للاستثمار في موارده ولا سيما ( النفط باحتياطي /250/ مليار برميل والغاز /332/ تريليون قدم مكعبة، ويأتي في المرتبة الرابعة بعد روسيا وايران وقطر، إضافة إلى موارد أخرى وخاصة الثروة السمكية المنتجة للكافيار أو ما يسمى اللؤلؤ أو الألماس الأسود أو طعام الأغنياء بسبب لونه وارتفاع سعره ) .
أما من الناحية الجيوسياسية فإن منطقة قزوين تعد من أهم المناطق العالمية فهي قلب أوراسيا ( آسيا وأوروبا ) وتربط بين آسيا الوسطى و القوقاز وبين المحيط الهندي والخليج العربي وبين الصين ودول شرق المتوسط ، أي إنها صلة وصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وترتبط ببحري آزوف والبلطيق وعدد من الممرات المائية البحرية والنهرية، كل هذه العوامل دفعت أمريكا وتوابعها إلى اعتبار بحر قزوين من متطلبات أمنها القومي.
وأمام التحركات الأمريكية المشبوهة وبعد اجتماع قادة الدول المطلة على بحر قزوين التي أكدت موقفها بتقاسم ثرواته، وصدر البيان الختامي لقمتها وتضمن ضرورة احترام مبادئ الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان و الوضع القانوني لبحر قزوين وتطوير التعاون العسكري وتعزيز مبادئ حسن الجوار وترسيخ الثقة بين بعضها بعضا وأيضا ترسيخ الاستقرار الأمني ومكافحة الإرهاب واستمرار المفاوضات بخصوص القضايا الإقليمية والدولية والتعاون المثمر وتعزيز الصناعات الوطنية وخاصة تصنيع السجاد وإقامة معارض مشتركة وتعزيز العلاقات الثقافية والاجتماعية والتعليمية والرياضية والسياحية الإقليمية والشبابية.
وعمليا بدأ الاتفاق على تنفيذ القناة البحرية بطول /1400/ كيلو متر المتفق عليها بين ( روسيا وإيران ) لتصل بين بحر قزوين والخليج العربي ، وكل هذه المشروعات ستكون مكملة وداعمة ومدعومة للمشروع الصيني العملاق (طريق الحرير ) الذي يربط دول العالم والبحار الخمسة ببعضها بعضا ، وستكون سورية نافذة هذا المشروع وغيره على البحر الأبيض المتوسط ، ولكن يجب أن نكون حذرين من المؤامرات الغربية وخطط الليبرالية والرأسمالية المتوحشة والإجراءات والأطماع الصهيو أمريكية بالتنسيق مع تركيا ولاسيما بعد إقامة مناورات عسكرية تركية مع أذربيجان لزيادة مدّ أنابيب الغاز والنفط من منطقة قزوين عبر تركيا نحو أوروبا لمحاصرة روسيا والصين وإيران وسورية ، وبما يضمن للغرب سرقة ونهب موارد المنطقة كما تنهب وتسرق أمريكا الموارد السورية، وعندها تتجاوز القارة الأوروبية العجوز أزمتها التي صنعتها بنفسها من جراء اعتمادها على السياسة الأمريكية وفرض الإرهاب الاقتصادي من ( عقوبات وحصار ) على روسيا ومحاولة حصار الصين ، لكن انقلب السحر على الساحر وتأثرت أوروبا من جراء تراجع إمدادات الغاز والنفط والسلع الغذائية وغيرها ، فهل يمثل اجتماع قمة قزوين مقدمة لتوسع وتوسيع التحالفات والتكتلات الأخرى مثل مجموعة “البريكس” و”شنغهاي” والاتحاد الروسي وغيرها، ويترسخ نظام عالمي جديد على أساس
( رابح – رابح)، فكل هذا يساهم في ربط البحار الخمسة مع بعضها بعضا ، وهذا جوهر رؤية السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد سنة /2004/، وعندها يعم الأمن والاستقرار في المنطقة ومواجهة الإرهاب بكل أنواعه ، ويترسخ التعاون الدولي لمصلحة جميع الشعوب، وينتهي عصر القطبية الأحادية وهيمنة الدولار واليورو أيضا.