حسن م يوسف: السخرية هي فن (الخيمياء) الذي يحول مادة الحياة اليومية الخسيسة إلى معادن نفيسة!
ثناء عليان:
حسن م يوسف قامة إبداعية، وكاتب شامل، دخل الصحافة من باب الأدب.. يوسف الذي حل ضيفاً على ثقافي بانياس من خلال حوار مفتوح أدارته الأديبة ميرفت علي.. عبّر حسن م يوسف عن حاله من بداية الحرب حتى اليوم بالقول: سورية وعائلتي هما الأغلى بالنسبة لي.. مؤكداً أن من يضع نفسه بين جبهتين يكون أول الضحايا، وبرأيه الموت منّة عندما يتقاتل الأهل.
وعن علاقته بالأدب أكد صاحب “الآنسة صبحا” أنها بدأت أثناء وجوده في الجامعة سنة 1976 من خلال أول مجموعة قصصية له كتبها بتحدٍ مع زميلته بالجامعة فكان الفوز حليفه ونشرت أول قصة له بمجلة (جيل الثورة) وتحول من شبح لا يرى إلى شخص معروف بفضل الكلمة التي كانت بمثابة قبعة الإظهار بعكس الحكايات الخرافية التي يلبس بها البطل قبعة الإخفاء وسافر إلى حدود العالم على أجنحة الكلمة، فكانت مصر أول دولة عربية يزورها بدعوة من اتحاد الطلبة بعد فوزه بالجائزة الأولى بمسابقة للقصة.. ويرى يوسف أن الصحافة لا تقيد ولا تقتل أحداً وإنما تميت من يريد أن يموت لافتاً إلى زاوية كتبها منذ ربع قرن ومازال هناك من يتذكرها ويتحدث عنها، ويؤكد أنه يعيش الحياة كقصيدة عندما يلتقي بأصدقائه الحقيقيين الذين يزورونه في بيته في القرية، هذا البيت الذي كان يسميه في الماضي بيت الحماقة، ولكن بعد الحرب الظالمة على سورية سمّاه بيت الصداقة.
وعن القلق الذي بداخله قال: القلق لم يكن يوماً قميصاً أشتريه من السوق وألبسه، أنما ولد وترعرع معي وكبر. وازداد عندما رأيت معاناة أهلي وازداد أكثر بعد أن زادت معاناة وطني مشبهاً الوطن بالصراف الآلي، الجميع يسحب منه ولكن لا أحد يودع فيه، وبرأيه إذا استمر الإنسان باستنزاف موارد الطبيعة بتلك الطريقة الوحشية فسوف نصل لا محالة إلى نقطة اللاعودة.
عمل حسن م يوسف، على تثقيف نفسه بنفسه وكل مجال خاضه يحتاج عمراً كاملاً لإتمامه، أحب الموسيقى واستمع إليها بشغف، وأحب السينما من أول فيلم شاهده وعشقها لدرجة أنه كان يقف على باب سينما الفردوس بمدينة جبلة يستمع للحوار ويتخيل الشخصيات والأحداث وخاصة أنه لم يكن يملك المال الكافي لدخول السينما فتعلم كتابة السيناريو.
وعن علاقة صاحب «قيامة عبد القهار عبد السميع” بالواقع يقول: علاقتي بالواقع كعلاقة أي شخص بالثقافة أحاول أن أقدم صيغة موازية له وليست نسخة عنه أو متطابقة معه على الإطلاق، مؤكداً أن الفن أرقى أشكال الاقتصاد في العمل الفني وكل ما هو زائد عنه يرميه ويتخلص منه.
وسر احتفاظ صاحب “عبثاً تؤجل قلبك” بحيويته وشبابه يقول: أنا أعمل كثيراً وأقرأ كثيراً وأسمع موسيقى كثيراً غير هذا فإن لقائي مع الشباب من خلال إعطائي مادة علوم السينما لهم يمنحني طاقة هائلة تجعلني أشعر دائماً بالشباب والحيوية، أما أخطر معركة أخوضها فهي معركتي مع النوم، وخاصة عندما يكون هناك مشكلة عصية على الحل، أضعها في رأسي وأنام وعند الصباح تكون محلولة.
وعن طفولته قال: غادرت بيت أهلي في عمر الـ 12 سنة لم أكن عصامياً وكنت أمتص دماء أهلي وأعتقد الفرنكات التي كانت ترسل من قبلهم لتعليمي لم تكن فائضة عنهم، لذلك أقول أنا لست نتاج نفسي، وإنما نتاج هؤلاء الفقراء الذين ضحوا لأجل أن أتعلم.
ويستذكر صاحب “فارس قوس قزح” علاقته بالمسرحي المبدع فواز الساجر فيصفه بالشخص البهي المدهش لعمق ثقافته وعمق إنسانيته بما تعنيه الكلمة من معنى، ونوه بعلاقته بالأديب وليد معماري الذي دخل الأدب من بوابة الصحافة بعد انتقاله من قسم الإخراج في جريدة تشرين إلى القسم الثقافي فيها.
وعن الكتابة الساخرة يقول صاحب “الساخر يخرس”: السخرية هي أن ترى ما لا يُرى، والانسان إذا شاء أن يكون بطلاً ليس أمامه الا أن يكون ساخراً.وهنا نضيف بعض ما قاله لـ “تشرين” في حوار سابق عن ماهية السخرية بالنسبة له فيقول: السخرية بالنسبة لي ليست وجهة نظر بقدر ما هي أداة نظر! السخرية بالنسبة لي هي صمام الأمان الذي يمنع طنجرة الضغط التي أحملها فوق كتفي من الانفجار! هي وسيلتي كإنسان ضعيف للتوازن في هذا العالم المملوء بالضواري! السخرية هي فن (الخيمياء) الذي يحول مادة الحياة اليومية الخسيسة إلى معادن نفيسة! بالسخرية يتحول الألم إلى ضوء، والعجز إلى قهقهة، والحزن إلى أفكار!
ويختتم حسن م يوسف هذا اللقاء مؤكداً أن الزمن وحده هو الذي يملك كلمة الفصل، وأن الأوراق الميتة المتساقطة تتحول إلى سماد ضروري للأوراق الجديدة القادمة، وأن الخوف أسوأ من السرطان، وأسوأ من السجن.. فعندما تكون خائفاً تصبح أنت سجان نفسك، ومن يسجن نفسه هو أسوأ من الميت، لا تتبع أحداً، وبالمقابل لا تسمح لأحد بأن يتبعك.