هل شخصيات الدراما معقّمة ومولودة من ضجر؟!
نضال بشارة
أمراض كثيرة لا تزال تعانيها الدراما التلفزيونية عامة والسورية خاصة، وبعض تلك الأمراض قد لا يتنبّه لها أغلب المشاهدين بسبب القدرات الأدائية للممثلين لشخصياتهم، وخاصة الرئيسة منها في هذا المسلسل أو ذاك, لكن الانجذاب لأداء الممثلين لا يعني أن نغض الطرف عن كيفية رسم تلك الشخصيات مهما كانت تشبهنا من جهة مشاعرها وانفعالاتها وأبعادها، فما يهمنا ألّا نكتشف معاناتها مرض البتر الاجتماعي لها، سواء على صعيد علاقات القربى أو على صعيد علاقات الصداقة، وإلاّ غدت في نظرنا شخصيات معقّمة اجتماعياً، وتالياً غير قادرة على التأثير فينا.
ومع الأسف لا تزال أغلب شخصيات معظم المسلسلات، وإن كانت بتفاوت نسبي، تعاني هذا المرض، وكأنها مولودة من ضجرٍ أو من صخرٍ.! فلو أردنا أن نشير إلى الشخصيات التي عانت ذلك في أكثر من مسلسل من الموسم الرمضاني المنصرم، لتوافرت لنا أمثلة كثيرة، لكننا سنأخذ مثالاً واحداً هو مسلسل ” مع وقف التنفيذ” للكاتبين ” علي وجيه ويامن الحجلي”، ونشير إلى بتر شخصياته وتأثيرات ذلك. فشخصية “فوزان/ عباس النوري” مبتورة اجتماعياً من دون (أخوة، أو أخوات) أو أصدقاء، وشخصية الضابط المسرّح من الخدمة لعدم نزاهته ” عزام/ يامن الحجلي” من دون أقارب، له صديق يسمح له بالسكن معه ساعة يشاء هو الفنان التشكيلي “جبران/ حسن دوبا” الذي بدوره لا أقارب له، ولا أصدقاء حتى من الوسط الفني برغم أنه خريج أكاديمي، ولعزام صديق دائم أيضاً زميله سابقاً ” صهيب / محمد قنوع”.
فتغيّب الروابط الاجتماعية للشخصيات، يؤثر على مجرى أحداث المسلسل، فمثلاً ” فوزان أبو أوصاف” لو كان لديه أقارب (شقيق، شقيقة، ابن عم أو ابن خال)، ربما استطاع أحدهم مساعدته عند مرض زوجته بالسرطان، على الرغم من أن معالجة الأورام تقدمها المستشفيات الحكومية المختصة ببعض المحافظات وبالمجان، من دون أن ننسى الإشارة إلى تعثر توافر الأدوية في بعض الأحيان، وهذا ما تم إغفاله أيضاً في المسلسل, فوجود أقارب قد يسهم في منع هذا السلوك المادي الانتهازي للشخصية التي عزت تصرفها له بأنها لم تجد مالاً ولا يداً مساعدة عندما مرضت أم أوصاف وماتت, وكذلك في حال شخصية “عزام” الذي لم يسأل أحداً عن زوجته وطفليهما بعد أن استشهدا بنار قناصة أحد الإر*ها*بيين، وكأن زوجة عزام من دون أهل وكذلك هو، فمن أين جاءا للحياة؟ فمضى المسلسل يهتم بسلوك عزام ويعظّم بقدراته الخارقة حتى اكتشف القناص، فأهمل المرأة، وكأنها نملة دهست وانتهى أمرها، وهي إهانة لا تغتفر لشخصية المرأة، لو انتبه الكاتبان.!
وإن تأملنا أيضاً قطعُهما لشخصية “طريف/ غزوان الصفدي” عن جذورها العائلية، لانتبهنا أنه متعمّد لئلا يربكهما أحد أقاربه باكتشاف مقتله، ومن ثم قد تصل يد العدالة للجاني ” فوزان”، وتالياً انتهاء شخصيته، فيدخل المسلسل في مسار مغلق، ولذلك رسم الكاتبان شخصية ” طريف” بلا روابط، فلم يدرِ به أو يسأل عنه أحد بعد مقتله, كما استمر الكاتبان بالخطأ، إذ يوجهان ابنة فوزان ” أوصاف/ حلا رجب” لأخذ ابنة حارتها، وصديقتها بالمصادفة فقط أو وقت الحاجة، “جنان/ سلاف فواخرجي”، أي إنهما بلا أقارب ولا صديقات، لتختبئ في البيت ذاته، وكأن جثة طريف تبخرت منه، فكيف تم ذلك والشخصية مبتورة اجتماعياً ولم يأتِ المسلسل على سيرة كشف جريمة قتله؟! في حين أشار المسلسل إلى أن ثمة عائلة لشخصية ” أديب/ فايز قزق” راحت تطالب بميراثها لتحرم جنان منه لكونها زوجة سرية، وكرر المسلسل الأمر ذاته مع شخصية طريف، إذ لم يشر إلى أن أحداً اهتم باغتيال أديب، ولا حتى من قبل السلطات الأمنية.!
كما لم يسوّغ لنا المسلسل بقاء شخصية ” صافي/ سيف السبيعي” من دون زواج، ولو بالإشارة لذلك، فلم يجرِ أي حوار بينه وبين صديقه ” حليم/ غسان مسعود” أو مع صديقهم الثالث عضو مجلس الشعب ” محسن غازي”! برغم أن المسلسل استطاع أن يزوج شخصية “سناء/ نادين خوري” مرة ثانية بعد أن انفصلت عن زوجها حليم، لدخوله السجن فترة طويلة، يزوجها ويبعدها لبلد عربي آخر، ويعيدها لزوجها بعد خلاف تافه مع زوجها الثاني، وكأن المسألة رمية حجر، وهي شخصية أيضاً بلا أقارب أو أصدقاء، وزواجها الثاني لم يغيّر في الأحداث. !
أمّا أسباب هذا المرض الذي تعانيه شخصيات الدراما السورية فيكمن في نهل الكتّاب شخصياتهم من وحي مشاهداتهم السينمائية، ومن دون الانتباه للفارق بين الزمن الدرامي في الفيلم الذي قد لا يتعدى أسبوعاً أو شهراً، وبين الزمن الدرامي في المسلسل الذي قد يمتد لأكثر من سنتين, فمتى نشاهد شخصيات غير معقّمة اجتماعياً؟.