نحو فلترة النظام التعليمي في سورية
عندما كانت الطائرات الألمانية تمطر لندن بحممها قالوا لـ” تشرشل” : إن البلد دمرت بالكامل–البنية التحتية-المصانع-المستشفيات . سأل كيف حال التعليم والقضاء؟ قالوا التعليم والقضاء بخير قال : لا مشكلة البلد بخير وسنعيد بناء كل شيء وهكذا كان.
فالتعليم يعدّ الركيزة الأساسية لبناء وتطور أي مجتمع , ومهما كانت تكلفة التعليم مرتفعة ستبقى أرخص من تكاليف بقاء أي أمة غارقة في الجهل .
وفي سورية ومنذ مطلع السبعينيات أدركت القيادة أهمية التعليم فبنت نظاماً تعليمياً متكاملاً بدءاً من التعليم الابتدائي ( الأساسي حالياً ) وصولاً إلى أعلى المراتب العلمية ( دبلوم- ماجستير – دكتوراه ). وقد ساعد على ذلك البنية الأساسية التي وفرتها الحكومة من خلال : مجانية وشبه مجانية التعليم ما قبل الجامعي, و انخفاض تكاليف التعليم الجامعي مقارنة مع كافة الدول , حيث تقتصر التكاليف على بعض الرسوم البسيطة، وأيضاً توفر البنية التحتية من جامعات ومدارس ومعاهد فنية ومخابر ومراكز بحثية على مستوى عالٍ، ولكن منذ اندلاع شرارة الحرب على سورية بدأت الصورة تميل إلى السواد من خلال عدة عوامل, أبرزها ارتفاع تكاليف التعليم بالرغم من عدم تعديل الرسوم في الجامعات الحكومية، ولكن نتيجة ارتفاع تكاليف النقل بحوالي عشرة أضعاف, إضافة إلى تكاليف الدروس الخصوصية وخاصة لطلاب شهادتي الثانوية والتعليم الأساسي, حيث تتراوح التكلفة سنوياً بين 800 ألف ومليون ليرة سنوياً، وتشوه امتحانات الشهادة الثانوية العامة في المناطق الساخنة أو المتاخمة لها و غياب النزاهة عن هذه الامتحانات خلال فترة الحرب, ما أدى إلى حصول طلاب من مستويات متوسطة و ما دون المتوسطة على معدلات مرتفعة توازي معدلات الطلاب من المستويات العلمية المرتفعة , هذا الأمر حمل في طياته انعكاسات كثيرة أبرزها: مزاحمة طلاب من مستويات دنيا الطلاب المتفوقين على المقاعد الجامعية العليا و إن حاولت وزارة التعليم العالي استدراك ذلك من خلال السنة التحضيرية للاختصاصات الطبية ، يبقى التشوه كبيراً في الكليات الهندسية و غيرها , حيث يتم حجز مقاعد كبيرة لطلاب من مستويات دون الوسط و هنا يظهر التشوه الأكبر إما لناحية زيادة تسرب الطلاب من الدراسة الجامعية لعدم قدرتهم على اجتياز الامتحانات نتيجة انخفاض المستوى أو لجهة تخريج طلاب بمستويات أقل و هذا يؤدي إلى تشوه في مخرجات العملية التعليمية .
أمام هذا كله ما الحل ؟ برأينا حالياً الحل يتركز في عدة خطوات لفلترة مخرجات العملية التعليمية :
المحور الأول : يجب إعادة النظر في جوهر العملية التعليمية ككل من خلال تعديل شكل نظامها الحالي بشكل يضمن تحديد مستوى الطالب اعتماداً على سني دراسته كلها وليس على امتحان واحد لمدة عشرة أيام يخضع لظروف خاصة لكل طالب و على ضوئها يتحدد مستقبل الطالب. يقول توماس أديسون ” لا يمكن لورقة امتحان سخيفة أن تحدد مستقبلي “وبالتالي يتم تقييم الطالب كل عام وجمع التقويمات إلى امتحان الشهادة الثانوية وهنا يمكن تسميتها بالفلترة الأولى.
المحور الثاني يتعلق بالتكاليف: يجب اعتماد منهجية حقيقية تقوم على رفع مستوى التعليم في المدارس لتخفيف الدروس الخصوصية وافتتاح دروس تقوية في المدارس بأسعار رمزية وحلّ مشكلة النقل للطلاب من خلال اعتماد بطاقة طالب مماثلة للبطاقة الذكية , تخول حاملها الاستفادة من وسائل النقل العامة بأسعار رمزية، وهذه تسمى تدعيم للفلترة الأولى
ويتعلق المحور الثالث بدخول الجامعات و يكون عبر اجتياز اختبار قبول قبل الاشتراك بالمفاضلة و ذلك لكافة الكليات و يكون مؤتمتاً و يتم انتقاؤه من قبل اختصاصيين على مستوى عالٍ من الكفاءة , بحيث يساعد على اختيار الطلاب وفق مستوياتهم ويشمل المواد المتعلقة بالاختصاص المراد تسجيله وهذه تسمى الفلترة الثانية .
المحور الرابع : يتعلق بشكل الامتحانات و هنا نرى أن يتم اعتماد امتحانات أكثر أتمتة بمعنى؛ اعتماد بنك معلومات لكل مادة و ترك الحاسب ينتقي أسئلة قبل بدء المادة بفترة قصيرة وهنا نحقق الفلترة الثالثة.
عبر التاريخ لن تتحقق نهضة أي مجتمع أو إعادة إعماره إلّا عبر بوابة المنظومة التعليمية وأمامنا دروس اليابان وألمانيا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية ماثلة في الأذهان وبالتالي أي عملية لإعادة الإعمار أو الإصلاح الإدارية ستكون عديمة الجدوى من دون أن تصاحبها عملية إصلاح حقيقية للنظام التعليمي وإن الاستمرار بالوضع القائم يهدد النظام التعليمي في سورية بشكل كامل وبشكل تتابعي يهدد المجتمع والقيم المجتمعية و ينعكس بدوره في عملية التنمية .