اليوم .. بغداد الرشيد تحتفي بذكرى ميلادها المجيد
بغداد الرشيد ومنارة المجد التليد تحتفل اليوم ومعها كل المدن العربية بذكرى تأسيسها، هذه الحاضرة العربية التي بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور على نهر دجلة عام 762 للميلاد (145ه) لتكون عاصمة الخلافة العباسية، وقد استغرق بناء مدينة بغداد خمس سنوات لتتحول إلى مركز للثقافة العربية والإشعاع الإسلامي إلى كل الدنيا، رغم إن خيول الأجانب وطأت ترابها وهي تفيق بعدها وتسطع من جديد، فأصبحت قبلة الإمبراطورية العربية الإسلامية ومركز الثروة والتجارة والعلم والدراسة، وبزغت في حينها حيث لم تبزغ مدينة مثلها، بل حكمت من تخوم الصين شرقاً حتى المغرب العربي غرباً، ومن الأناضول شمالاً حتى الصحراء الكبرى في إفريقيا جنوباً، وحكمت عالم زمانها لخمسة قرون.
قيل فيها: «من لم يعش ببغداد فما عرف الدنيا ولا رأى الناس»، وقيل «من عاش ببغداد ومات فيها نقل من جنة إلى جنة»، وقيل «بغداد جنة الأرض ومجتمع الرافدين، واسطة الدنيا ومدينة السلام، وقبة الإسلام، غرة البلاد، ومجتمع الطرائف والطيبات، ومعدن المحاسن واللطائف، وفيها أرباب النهايات من كل فن، وآحاد الزهر من كل نوع»، وتقع مدينة بغداد في وسط العراق، ويذكر أن أصل التسمية للمدينة يعود ربما إلى البابلية وهي (بعل جاد) بمعنى معسكر الآلهة (بعل)، بينما يرى البعض الآخر أن كلمة بغداد يرجع أصلها إلى اللغة الكلدانية، وهي مأخوذة من كلمة (بلداد) وهو اسم آلهة كلدانية، ومنهم من زعم أن أصل الكلمة فارسي يقصد بها (بغ داد) أي بستان الرجل.
ألف سنة ونيف مرّت على بغداد كأنها (ألف ليلة وليلة)، حاضرة في كل بيت عراقي وعربي، فبغداد بناها أبو جعفر المنصور وأعزها الخليفة العباسي هارون الرشيد بالعلم والأدب والشعر والشعراء، والجواري اللاتي جئن من كل أنحاء الدنيا من بخارى وسمرقند وخراسان والصين وبلاد ما وراء النهرين ليقدمن فصول الغناء في شارع الرشيد المزدهي بالثقافات الواردة إلى بغداد من كل أنحاء العالم، ولبغداد أربعة أبواب، كما أمر بفتحها أبو جعفر المنصور، ومن أشهر أبوابها (باب الشام وباب خراسان)، وأسّس الخليفة المأمون في بغداد العديد من المنتديات الشعرية في صوبي (الكرخ والرصافة)، وكانت المدرسة المستنصرية يُدرّس فيها طلاب المعارف الدينية من الصين وبلاد فارس وبعثات من الروم البيزنطيين العلوم الإنسانية والطب والفلسفة والكيمياء والرياضيات، أما الشعراء، وعلى رأسهم أبو نواس والبحتري، فقد جعل لهم المأمون مكاناً خاصاً وأكثر الحالات في بلاطه في شارع الرشيد، وقصة بغداد في كل حياة الشعب العربي والعالم لم تنهِ فصولها بعد.
وقد تغنّى الشعراء العرب ببغداد أمثال الشاعر علي ابن الجهم إذ قال:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
– وقال فيها الشاعر مصطفى جمال الدين:
بغداد ما اشتبكت عليك الأعصر
إلا ذوت ووريق عمرك أخضر
بغداد بالسحر المندى بالشذا الفواح
من حلل النسائم يقطر
– وأيضاً تغنّى بها الشاعر نزار قباني قائلاً:
مدِّ بساطك واملئي أكوابي
وانس العتاب فقد نسيت عتابي
عيناك يا بغداد منذ طفولتي
شمسان ناعمتان في أهدابي
لا تنكري وجهي فأنت حبيبتي
وورود مائدتي وكأس شرابي
بغداد جئتك كالسفينة متعباً
أخفي جراحاتي وراء ثيابي
بغداد عشت الحسن في ألوانه
لكن حسنك لم يكن بحسابي
ماذا سأكتب عنك يا فيروزتي
هواك لا يكفيه ألف كتاب
قبل اللقاء الحلو كنت حبيبتي
وحبيبتي تبقين بعد ذهابي
إضافة إلى شعراء كثر نظّموا الشعر بمدينة السلام مدينة بغداد كـ«المتنبي والمعرّي والجواهري.. وغيرهم».