لم يعد الحديث عن بعض الأزمات الاقتصادية ومسبباتها وكيفية الخروج من ظلماتها مستساغاً، وأهمها طرح موضوع تحسين الأجور والرواتب بين فترة وأخرى، وتكثر النقاشات والتكهنات لتنتهي بتصريح حكومي ناري، بأن مسعى مهماً كهذا يحتاج مقومات.. إنه موضوع على درجة عالية من الحساسية، أي إنه ليس بالإجراء السهل على الحكومات، فالمطلوب منها إعداده بشكل مناسب على نحو تغطي موارد الدخل والخزينة تكاليفه.
كما هو معروف، المشكلة الأساس التي تشكل القاسم المشترك للأزمات الاقتصادية التي يعانيها الاقتصاد الوطني هي استمرارية الاعتماد على مصدر وحيد للدخل، وعدم المقدرة على تنويع القاعدة الإنتاجية حتى الآن.. صحيح أن هناك إجراءات ومشاريع أخذت مسارها من جديد، لكن لم تصل بعد إلى تلك القاعدة الإنتاجية المهمة.
فثمة ارتفاعات لم تصل إلى ما وصلت إليه من قياسات سعرية حادة، فالغلاء أصبح يشكل كابوساً ثقيلاً جداً على فاتورة المواطن، في وقت سجلت المستويات العامة للأسعار والخدمات قفزات عالية لم تستطع أيّ من المحاولات حلحلتها أو التخفيف من وجعها.. فبات متوسط الأجور والرواتب لدينا لا يكفي لسد الحاجات الأساسية التي تحقق المتطلبات المعيشية للعباد، فازدادت نسب البطالة وتغورت شريحة الفقراء والمعوزين، وتولدت الضغوط التضخمية والارتفاعات في معدلات الأسعار، الأمر الذي عقد الأزمات المتلاحقة وصعوبة إيجاد مخارج لحلحلتها، فالموضوع حساس وتحت المراقبة والاهتمام.. ويلزمه خلق سياسة، قوامها استدامة الأوضاع المالية وتعزيز المطارح الضريبية الرافدة لدعم الخزينة، مع تصحيح أي اعوجاج، من شأنه ترك عثرات على حركة الإيرادات والنفقات الحكومية.
كل الإجراءات والطرائق التي تم تجريبها وتنفيذ بعضها لم تأت بشيء يلملم جراحات أخذت تثخن مسالكها، ولم تحقق الرؤى المتبعة أي انفراج أو استدامة مغذية للخزينة، فكلها لم تبعد كثيراً عن طور الخطابات والتوجهات، وإذا ما بقي الحال على ما هو عليه من المراوحة في المكان، فالأمل سيتراجع كثيراً، ولم يعد مستساغاً سماع أي تسويغ، عندها قد يصبح مجرد تناول الحديث عن موضوع الزيادات على الأجور والرواتب أمراً ذا حساسية خاصة ومن نوع آخر..!
عليكم بتنمية القطاع الخاص، وتوسيع قاعدة الامتيازات وإجراء مكاشفة حقيقية للمشاريع العامة وحصر عقباتها وفوائدها بدقة متناهية، وليكن الإنتاج هو سيد الموقف، عندها لن تعود زيادة الأجور بتلك الحساسية المخيفة، وإلا ما الحل..؟!